للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله تعالى: (كأنهم يوم يرون ما يوعدون)]

قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:٣٥] من العذاب أو من الآخرة.

{لَمْ يَلْبَثُوا} [الأحقاف:٣٥] أي: في الدنيا، حتى جاءهم العذاب، أو لم يلبثوا في قبورهم حتى بعثوا للحساب.

{إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} [الأحقاف:٣٥] يعني: في جنب يوم القيامة.

قيل: نساهم هول ما عاينوا من العذاب طول لبثهم في الدنيا.

{بَلاغٌ} [الأحقاف:٣٥] أي: هذا القرآن بلاغ، (بلاغ) خبر مبتدأ محذوف، والدليل قوله تعالى: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ} [إبراهيم:٥٢]، وقوله تعالى: {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء:١٠٦]، والبلاغ بمعنى التبليغ.

وفي قوله: {بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف:٣٥] بعض العلماء وقف على (ولا تستعجل)، ثم بدأ: (لهم بلاغ) وهذا خطأ، ذكر ذلك أبو حاتم، ويجوز بلاغاً على المصدر أو على النعت للساعة، والخفض على معنى: من نهارٍ بلاغٍ.

وروي عن بعض القراء (بلغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) فيقف على (من نهار).

وقرأ: (بلّغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون).

قرأ الجمهور (يُهلك) على البناء للمفعول، وقرأه ابن محيصن: على البناء للفاعل.

(يَهلك) والمعنى: أنه لا يهلك لعذاب الله إلا القوم الخارجون عن الطاعة، الواقعون في معاصي الله.

وقال قتادة: لا يهلك على الله إلا هالك مسرف.

وقيل: هذه الآية أقوى آية في الرجاء، (بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون)، يعني: لا يهلك مع رحمة الله وفضله (إلا القوم الفاسقون).

قال العلامة الشنقيطي في قوله تعالى: (بلاغ) أصوب القولين في قوله تعالى: (بلاغ) أنه خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هذا بلاغ، بدليل قوله: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ} [إبراهيم:٥٢]، وقوله: {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء:١٠٦]، وخير ما يفسر به القرآن القرآن.

والبلاغ اسم مصدر بمعنى التبليغ، وقد علم من استقراء اللغة العربية أنه يأتي كثيراً بمعنى التفعيل، فبلغه بلاغاً أي: تبليغاً، وكلمه كلاماً أي: تكليماً، وطلقها طلاقاً أي: تطليقاً، وسرحها سراحاً، وبينه بياناً، كل ذلك بمعنى التفعيل؛ لأنها مضاعفة العين غير معتلة.

وأما القول بأن المعنى وذلك بلاغ، فهو خلاف الظاهر كما ترى، والعلم عند الله تعالى.

وقال القاسمي رحمه الله تعالى: (فهل يهلك) أي: بعذاب الله إذا أنزله بمقتضى العدل والحكمة، (إلا القوم الفاسقون) الذين خالفوا أمره، وخرجوا من طاعته، نعوذ بالله من غضبه وأليم عقابه.