تفسير قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار)
ثم نهى تبارك وتعالى عن الفرار من الزحف، مبيناً وعيده بقوله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ}[الأنفال:١٥].
((إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا)) والزحف هو الجيش الكبير أو الكثير العدد، ويسمى زحفاً تسمية له بالمصدر، كما تقول: هذا رجل عدل، والجمع: زحوف، مثل: سلس وسلوس، ويقال: زحف إليه، أي: مشى، وزحف الصبي على استه، أي: قبل أن يقوم، شبه مشي الجيش الكثير للقتال بزحف الصبيان؛ لأن الجيش إذا كان عددهم كبيراً وضخماً فإنه مهما أسرع فإنه يبدو للرائي البعيد كأنه يزحف كما يزحف الوليد؛ فلكثرته يرى كأنه يزحف، أي: يدب دبيباً قبل الالتقاء للضراب أو الطعان، فمعنى قوله:((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا)): إذا لقيتموهم للقتال وهم كثير جم وأنتم قليل.
وقوله:((فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ))، أي: لا تولوهم أدباركم، نهاهم عن أن يعطوهم ظهورهم، فضلاً عن أن يفروا أصلاً، يعني: إذا كان هذا الواجب عليكم وإن كنتم قلة وهم كثرة، فكيف إذا كنتم قريبين منهم عداً أو مثلهم عدداً؟ فأولى أن تثبتوا، وألا تولوهم الأدبار، وعدل عن لفظ الظهور إلى الأدبار، فلم يقل: لا تولوهم الظهور، تقبيحاً للانهزام، وتنفيراً عنه.