[تفسير قوله تعالى: (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار)]
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ} [آل عمران:١٢ - ١٣].
(قل للذين كفروا) يعني: قل يا محمد (للذين كفروا) من اليهود.
(ستغلبون) في قراءة أخرى (سيغلبون) يعني: في الدنيا بالقتل والأسر وضرب الجزية، وقد وقع ذلك.
(وتحشرون) وفي قراءة (ويحشرون) أي: في الآخرة.
(إلى جهنم) فتدخلونها.
(وبئس المهاد): يعني الفراش.
(قد كان لكم آية) أي: عبرة، وذكّر الفعل (كان) هنا مع أن فاعله مؤنث (آية)؛ وذلك لأنه فصل بينهما بالخبر (قد كان لكم آية).
ومعنى (آية): علامة، أي: يا أيها اليهود قد ظهرت لكم آية على صحة دين الإسلام، إذ لو كان الإسلام غير حق لما غلبت الفئة القليلة الضعيفة المتمسكة بالحق الفئة الكثيرة القوية التي لم تتمسك به.
(في فئتين) أي: فرقتين (التقتا) يوم بدر بالقتال.
ويوم بدر وصفه الله سبحانه وتعالى في بعض الآيات بأنه بينة كما قال تعالى: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال:٤٢] ووصفه الله سبحانه وتعالى بأنه فرقان كما في قوله تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ} [الأنفال:٤١] وهو يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل.
((قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا)) يعني: أن ما حصل في بدر كان علامة على صحة دين الإسلام.
((فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) أي: في طاعته، وهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، ومعهم فرسان وست أدرع وثمانية سيوف، وأكثرهم رجالة لم يكونوا راكبين.
((وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ)) أي: الكفار.
(يرونهم مثليهم) يعني: يرون الكفار مثليهم، أي: مثلي المسلمين، وكانوا نحو ألف رأي العين، يعني: رؤية ظاهرة معاينة، وقد نصرهم الله مع قلتهم.
(والله يؤيد بنصره من يشاء) أي: يقوي بنصره من يشاء نصره.
(إن في ذلك) المذكور (لعبرة لأولي الأبصار) أي: لذوي البصائر، أفلا تعتبرون بذلك فتؤمنون.