وقول الله هنا:{مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}، وقوله:((مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ)) استفهام أريد به التعجب من فعل هؤلاء في السعادة، والتعجب من فعل هؤلاء في الشقاوة، والجملة فيها مبتدأ وخبر، وهي خبر مبتدأ قبله، وهو (أصحاب الميمنة) في الأول و (أصحاب المشأمة) في الثاني، وهذا الأسلوب يكثر في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى:{الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ}[الحاقة:١ - ٣]، وكذلك قوله:{الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ}[القارعة:١ - ٢]، والرابط في جملة الخبر في جميع الآيات المذكورة هو إعادة لفظ المبتدأ في جملة الخبر كما لا يخفى.
أما السابقون فلم يذكر فيه استفهام تعجب كما ذكره فيما قبله.
قوله تعالى:(فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ)، واضح على أنه استفهام تعجبي فهو تعجب بمعنى الخبر، وقوله تعالى:(وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ) هذا تعجب بمعنى الخبر أيضاً.
أما في السابقين فقال:{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}، فذكر في مقابله تشريف بعض السابقين، فلم يقل: السابقون وما أدراك ما السابقون! وإنما كرر اللفظ.
والمعنى أنهم لا يحتاجون إلى تعريفهم، كما قال أبو النجم: أنا أبو النجم وشعري شعري فقوله: شعري شعري يعني: شعري هو الذي بلغك خبره، وانتهى إليك وصفه، فكأنه من شهرته لا يحتاج إلى أن يعرف، ولن أقول في تعريفه أكثر من ذلك.
من شدة الثقة بتمكنه في ذلك، فلا يزيد شيئاً على وصفه بذلك.