[تفسير قوله تعالى: (هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون فبأي آلاء ربكما تكذبان)]
قال الله تبارك وتعالى: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:٤٣ - ٤٥].
قوله: ((هَذِهِ جَهَنَّمُ)) يعني: يقال لهم توبيخاً وتقريعاً وتحقيراً وتصغيراً: ((هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ)) أي: هذه النار التي كان يكذب بها المجرمون في الدنيا، أما في الآخرة لا يكذبون بها، فيوبخهم الله قائلاً: {أَفَسِحْرٌ هَذَا} [الطور:١٥] أي: أهذا الذي كنتم تقولون عليه: سحر وكهانة؟ {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا} [الطور:١٥ - ١٦].
وقال تبارك وتعالى هنا: ((هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ)) يعني: النار التي كنتم تكذبون بوجودها ها هي حاضرة تشاهدونها عياناً.
((يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ)) الحميم هو الماء الحار، والحميم أخذ منه كلمة الحمام؛ لأنه يكون فيه الماء المسخن.
أما قوله: ((آنٍ)) أي: انتهى حره واشتد غليانه، حتى إنه لا يستطاع من شدة حرارته.
وقال بعض المفسرين: (حميم آن) يعني: حميم حاضر، وفي الحقيقة لا تعارض بين وصفه بأنه حار شديد الحرارة انتهى غليانه إلى أقصى ما يصل إليه من الحرارة، وفي نفس الوقت كونه حاضراً.
ومما يدل على كونه حاراً قوله تبارك وتعالى: {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} [الغاشية:٥] يعني: التي اشتدت حرارتها جداً.
ومما يدل على كونه حاضراًَ قول الله تبارك وتعالى: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب:٥٣] يعني: إدراكه وبلوغه واستواءه ونضوجه.
قوله: ((يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ)) أي: تراهم يسعون بين عذاب الجحيم وبين الحميم، فإذا استغاثوا من النار جعل غياثهم الحميم الشديد الحرارة، كما في قوله تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف:٢٩]، فهم ما بين هذا أو ذاك.
وقال تبارك وتعالى: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج:١٩ - ٢٠]، وهذه الآية مثل قول الله تبارك وتعالى: {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر:٧١ - ٧٢].
فهذا مما يوضح معنى قوله تعالى: ((يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ)) يعني: تارة في الجحيم وتارة والعياذ بالله يسقون من الحميم، وهو شراب كالنحاس المذاب يقطع الأمعاء والأحشاء.