[كلام الشنقيطي في قوله تعالى: (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان)]
هنا بحث للعلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى تكلم فيه على هذا الموضوع بكلام جيد سنتلوه عليكم، يقول رحمه الله تعالى: قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:٢٢] قرأ هذا الحرف نافع وأبو عمرو: ((يُخَرج منهما اللؤلؤ والمرجان)) بضم الياء وفتح الراء مبنية للمفعول، وعليه فاللؤلؤ نائب فاعل يخرج، وقرأه باقي السبعة: (يَخرُج منهما)، بفتح الياء وضم الراء مبنية للفاعل، وعليه فاللؤلؤ فاعل يخرج.
ثم يقول: اعلم أن جماعة من أهل العلم قالوا: إن المراد بقوله في هذه الآية: ((يَخْرُجُ مِنْهُمَا))، أي: من مجموعهما الصادق بالبحر الملح، وأن الآية من إطلاق المجموع وإرادة بعضه، وأن اللؤلؤ والمرجان لا يخرجان إلا من البحر الملح وحده دون العذب.
وهذا القول الذي قالوه في هذه الآية مع كثرتهم وجلالتهم لا شك في بطلانه؛ لأن الله صرح بنقيضه في سورة فاطر، ولا شك أن كل ما ناقض القرآن فهو باطل، وذلك في قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر:١٢] فالتنوين في قوله: ((وَمِنْ كُلٍّ))، تنوين عوض، أي: من كل واحد من العذب والملح تأكلون لحماً طرياً، وتستخرجون حلية تلبسونها وهي اللؤلؤ والمرجان، وهذا مما لا نزاع فيه.
يعلق الشيخ عطية سالم رحمه الله تعالى -والشيخ عطية ممن توفوا في عام الحزن أيضاً وهو العام المنصرم توفي هذا العالم الجليل الذي هو أخص تلامذة الإمام القرآني العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى- يعلق في الهامش على قول شيخه يقول: هذا الاستنتاج الذي توصل إليه فضيلة الوالد رحمه الله يعتبر فتحاً من الله؛ لأنه توصل إليه استنتاجاً، فجاء الواقع يشهد بذلك وإن لم يطلع عليه الشيخ رحمه الله تعالى، فكان ذلك مما يلزم التعليق أو التنبيه عليه، وذلك أنه قد ثبت وجود اللؤلؤ في الماء العذب كما ذهب إليه رحمه الله، كما جاء في دائرة معارف الشعب المصرية عدد (ثلاثة وسبعين) صحيفة (سبعة وثلاثين وخمسمائة)، حيث تكلمت عن اللؤلؤ إلى أن جاء فيها ما نصه: وأنواع المحار جميعها قد تنتج اللؤلؤ ولكنه يوجد غالباً في أنواع معينة منها، فلقد عثر مثلاً على لآلئ رائعة الجمال في محار المياه العذبة التي تعيش في بريطانيا وخاصة أنهار ويلز واسكتنلدا.
وأشهر لؤلؤة منها عثر عليها في نهر (كيمواي) في القرن السابع عشر وأهداها أحد نبلاء الإنجليز إلى الملكة كاترين وما زالت محفوظة ضمن مجوهرات التاج البريطاني في برج لندن، ولا يزال الأهالي يقتنون المحار عند مصب هذا النهر إلى آخره.
فكان إثبات الشيخ رحمه الله تعالى وجزمه باستخراج اللؤلؤ من الماء العذب مغايراً لما عليه جميع المفسرين إثباتاً مؤيداً بنور الله، شهد بهذا كله الواقع وصدقه الحس، وفي ذلك تأييد لكل مجتهد وجد مستنداً صريحاً لما ذهب إليه، ولما فهمه من كتاب الله وإن غاير أقوال الآخرين ما دام له مستند ظاهر كهذه المسألة، يعني: هذه المعلومات تفيد أنه يخرج اللؤلؤ أيضاً من الأنهار العذبة وليس فقط من المالحة كما كانت معلومات من سبق.
يقول: وهذا مصداق ما جاء عن علي رضي الله تعالى عنه وما نطق به من مشكاة النبوة حينما سئل: هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم آل البيت بشيء من الوحي؟ فقال: لا، إلا بما في هذه الصحيفة أو فهماً في كتاب الله يعطيه من شاء من عباده، وهذا هو الفهم الصحيح المستند إلى نص صريح يعطيه الله تعالى له رحمه الله رحمة واسعة.
ونحن ما فصلنا قليلاً في هذه المسألة إلا لأن هذا القول شائع جداً في كتب التفاسير ويضرب به المثل في أن الخطاب في هذه الآية بالذات يراد به أحد المجموعين وإن كان الخبر يشمل الاثنين.
فقوله تعالى: ((يَخْرُجُ مِنْهُمَا)) يعني: من البحر الملح والبحر العذب، على خلاف ما هو شائع عند عامة المفسرين، ولم يخالف فيما نعلم إلا العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى؛ لأنه جمع بين هذا وبين الآية التي في سورة فاطر: ((وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا))، ومن كل أيضاً: ((تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا)).