روي أن بني إسرائيل لما خرجوا من مصر نزلوا في برية طور سيناء، وكانت مدة خروجهم إلى أن نزلوا شهراً ونصفاً، ولما نزلوا تلقاء الجبل صعد موسى إليه، وسمع كلامه تعالى وأوامره ووصاياه، ثم انحدر موسى عليه السلام إلى قومه، وأعلمهم بما أمروا به، وصاروا يشاهدون على الجبل ضباباً وصوت رعود وبروقاً، ثم أمر تعالى موسى أن يصعد إلى الجبل ليؤتيه الشرائع التي كتبها على قومه، فصعد موسى الجبل، وكان مغطىً بالغمام، فدخل موسى في وسط الغمام، وأقام في الجبل أربعين يوماً لم يأكل ولم يشرب لما أمد به من القوة الروحانية والتجليات القدسية، وأوتي في برهتها الألواح التي كتبت فيها شرائعهم، ولما رجع إلى قومه كان على وجهه أشعة نور مدهشة، حيث كان موسى عليه السلام إذا رجع من تكليم الله تعالى إياه كان يرجع وعلى وجهه نور مدهش، لا يقوى أحد أن ينظر إلى وجهه من شدة النور الذي على وجهه، يقول: ولما رجع إلى قومه كان على وجهه أشعة نور مدهشة، فخافوا من الدنو منه، فجعل على وجهه برقعاً، فكان إذا صعد الجبل للمناجاة رفعه وإذا أتاهم وضعه.
والله تعالى أعلم.
((وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ)) يعني حينما توجه للمناجاة: ((اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي)) أي: كن خليفتي فيهم، ((وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)) يعني: لا تتبع سبيل من سلك الإفساد، ولا تطع من دعاك إليه.
قال الجشمي: تدل الآيات على أنه استخلف هارون عند خروجه لما رأى أنهم أشد طاعة له وأكثر قبولاً منه، ومخاطبة موسى عليه السلام لهارون وجوابه له كقوله:{أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي}[طه:٩٣]، وقول هارون:{لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي}[طه:٩٤]، وقوله:{فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ}[الأعراف:١٥٠] كل ذلك كالدال على أن موسى كان يختص بنوع من الولاية وإن اشتركا في النبوة، يعني: أن هذا يدل على أن مرتبة موسى كانت أعلى من مرتبة هارون، كما هو واضح أن السياق كله هنا أنه استخلفه لما أراد أن يخرج إلى المناجاة، والظاهر أنه استخلفه إلى أن يرجع؛ لأنه هو المعقول من الاستخلاف عند الغيبة.
وتدل الآية على أنه يجوز أن ينهاه عن شيء يعلم أنه لا يفعله، ويأمره بما يعلم أنه سيفعله؛ عظة له واعتباراً لغيره، وتأكيداً ومصلحة للجميع.