للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين)]

قال تبارك وتعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة:١].

(براءة) خبر لمحذوف، يعني: هذه براءة، فالمحذوف هو خبر مقدم تقديره: هذه براءة، وتنوين (براءةٌ) للتفخيم.

والبراءة في اللغة: انقطاع العصمة، يقال: برئت من فلان براءة، أي: انقطعت بيننا العصمة، ولم يبق بيننا علاقة ولا رابطة، وانقطعت العصمة والعهد الذي بيننا.

يقول ابن إسحاق: (نزلت براءة في نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه فيما بينه وبينهم: ألا يصد عن البيت أحد جاءه، ولا يخاف أحد في الشهر الحرام، وكان ذلك عهداً عاماً بينه وبين الناس من أهل الشرك) والعهود كانت كثيرة مع قبائل العرب، فمنهم من عوهد إلى أجل معلوم، فصلح الحديبية كانت مدته عشر سنوات، ومن سنة ست من الهجرة بدأ تنفيذ صلح الحديبية، وكانت هناك عقود أخرى مع بعض القبائل، لكنها عهود غير مؤقتة، وبعضها كانت عقود مؤقتة، إما أقل من أربعة أشهر، وإما أكثر من أربعة أشهر، فهذه السورة نزلت لبيان انتهاء نوع من هذا العقود كما سوف نبينه إن شاء الله تعالى.

قوله: (فكان ذلك عهداً عاماً بينه وبين الناس من أهل الشرك) أي أن أي شخص يريد البيت الحرام فلا يصده أحد؛ كذلك لا يخوف ولا يعتدى على أحد في الشهر الحرام، وكانت هناك عهود بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قبائل من العرب إلى آجال مسماة، فنزلت فيهم وفيمن تخلف من المنافقين عنه في تبوك، وفي قول من قال منهم، فكشف الله تعالى سرائر أقوام كانوا يستخفون بغير ما يظهرون.

وقال ابن كثير: وأول هذه السورة نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك وهَمّ بالحج، ثم ذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم في ذلك، ولهم عادة سيئة وقبيحة من بدع الجاهلية أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة بلا ثياب، فكره النبي عليه الصلاة والسلام أن يحج معهم، وهم يطوفون حول البيت بهذه الهيئة القبيحة، فكره صلى الله عليه وسلم مخالطتهم، وبعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه أميراً على الحج تلك السنة؛ ليقيم للناس مناسكهم، ويعلم المشركين ألا يحجوا بعد عامهم هذا، وأن ينادى بالناس: ((بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ))، فلما قفل أتبعه بـ علي بن أبي طالب ليكون مبلغاً عنه صلى الله عليه وسلم لكونه عصبة له كما يأتي؛ لأن علي بن أبي طالب من عصبة النبي عليه الصلاة والسلام وابن عمه، فبعدما بعث أبا بكر لذلك أكد بإرسال علي ليبلغ باسمه المشركين بانقضاء هذا العهد: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.