[منزلة سورة الفتح في قلوب الصحابة]
هذه السورة حافلة بالمواقف الرائعة التي فيها مناقب وفضائل وخصائص للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولصحابته الكرام رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
فهذه السورة لها وضع خاص؛ لأنها من أكثر السور التي وردت فيها آيات تدل على رفعة مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ربه عز وجل، وهذا ما فقهه الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فقد روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وغيره أنه قال: إنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن -أي: الصحابة- نعد الفتح صلح الحديبية.
لأن صلح الحديبية كان من أعظم الفتوح التي جاءت ببركة عظيمة جداً بالنسبة للمسلمين كما سيأتي، وكان خطاً فاصلاً -كما سنبين إن شاء الله تبارك وتعالى- بين ما قبله وما بعده.
وقال الأعمش عن أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه قال: ما كنا نعد الفتح إلا يوم الحديبية.
وجاء في الحديث الذي ذكرناه آنفاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس).
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:٢] مرجعه من الحديبية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد أنزلت علي آية أحب إلي مما على الأرض، ثم قرأها عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هنيئاً مريئاً يا نبي الله! لقد بين الله عز وجل ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فنزلت عليه: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} [الفتح:٥] حتى بلغ قوله: {فَوْزًا عَظِيمًا} [الفتح:٥]) وهذا الحديث متفق عليه.
وقول الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم: (هنيئاً مريئاً يا نبي الله! لقد بين الله عز وجل ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟).
يشيرون إلى ما سبق الكلام عليه في سورة الأحقاف في قول الله تبارك وتعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} [الأحقاف:٩]، يعني في الدنيا، أما في الآخرة فقد بين الله سبحانه وتعالى في هذه السورة الكريمة ما يفعل بنبيه صلى الله عليه وسلم وما يفعل بهم، فلما بينت السورة أولاً ما يفعل الله بالنبي عليه السلام قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم: (هنيئاً مريئاً يا نبي الله! لقد بين الله عز وجل ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟)، فنزلت عليه: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [الفتح:٥]، إلى أن بلغ قوله تعالى: {فَوْزًا عَظِيمًا} [الفتح:٥].
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع قال: حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة قال: سمعت عبد الله بن مغفل -اسم (مغفل) أو (حمار) هذه أسماء آباء وأجداد المسلمين في الجاهلية، فلا يمكن تغييرها، فلذلك بقيت، أما الصحابي إذا كان له اسم يكرهه النبي عليه الصلاة والسلام فإنه كان يغير الاسم القبيح، وموضوع الأسماء له أهمية كبيرة في الحقيقة؛ فإن الإنسان غالباً يكون له حظ من اسمه، واسمه ينعكس على نفسيته جداً؛ لهذا نتألم جداً حين نجد بعض الناس في الأرياف ضاقت عليهم الدنيا، واختاروا بعض الأسماء العجيبة بسبب بعض العقائد منها: من أجل أن الولد لا يحسد، فيطلقوا أسماء تنفر، فالشخص الذي يسمع الاسم ينقبض فيتلهى وينشغل عن الحسد بهذه الأشياء، وهذا تفسير رديء، فلا بد من التنبه لمثل هذا، وإن كان ليس له علاقة بموضوعنا، فلذلك ينبغي الالتزام بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في اختيار الأسماء الحسنة، ومن حقوق الطفل على أبيه أن يسميه بأسماء حسنة ليست غريبة -رضي الله تعالى عنه يقول: (قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مسيره سورة الفتح على راحلته فرجّع فيها) قيل: إن هذا الترجيع هو للتنبيه وهو في المدود بالذات، وقيل: إن هذا لأنه كان راكباً على الناقة، فالإنسان عندما يقرأ المد وهو راكب على شيء يهتز ويتحرك؛ يحصل منه هذا الترجيع.
قال الراوي: لولا أني أكره أن يجتمع الناس علينا لحكيت لكم قراءته صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الحديث متفق عليه.