[تفسير قوله تعالى:(ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر)]
قال الله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ}.
قوله:(ذَلِكَ) أي: ما تقدم من التمهيل والإملاء، أو أن المراد ارتدادهم على أعقابهم.
قوله:((بِأَنَّهُمْ قَالُوا)) يعني: هؤلاء المنافقين الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى، ((قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ))، قيل: هم المشركون.
قوله:((سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ))، هذا البعض هو عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومخالفة ما جاء به.
وفي قول آخر في:((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ)) أن القائلين هم اليهود، ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا))، أي: اليهود ((قالوا للذين كرهوا ما نزل الله)) وهم المنافقون، وقيل المعنى: إن المنافقين قالوا لليهود: ((سنطيعكم في بعض الأمر)) كالقعود عن الجهاد، والموافقة في الخروج معهم إذا خرجوا، والتظاهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤيد هذا القول قول الله سبحانه وتعالى:{أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[الحشر:١١]، فقال الشنقيطي: التحقيق الذي لا شك فيه أن هذه الآيات عامة في كل ما يتناوله لفظها، وأن كل ما فيها من الوعيد عام لمن أطاع من كره ما نزل الله، يعني: سواء كانوا من المنافقين أو اليهود أو المشركين، فهي عامة في كل من كره ما أنزل الله سبحانه وتعالى.
قوله:{والله يَعْلَم إِسْرَارَهُمْ} قرأها نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وشعبة عن عاصم: (والله يعلم أسرارهم)، هذه قراءة عامة القراء (والله يعلم أسرارهم) بفتح الهمزة، جمع سر.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم (إسرارهم) بكسر الهمزة على أنها مصدر أسر كقوله: {وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا}[نوح:٩] وقد قالوا لهم ذلك سراً، فأفشاه الله العالم بكل ما يسرون وما يعلنون.
قال شيخ المفسرين رحمه الله: والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمفيدة.
قال ابن كثير رحمه الله: والآية الكريمة تدل على أن كل من أطاع من كره ما نزل الله في معاونته له على كراهته ومؤازرته له على ذلك الباطل، أنه كافر بالله، بدليل قوله تعالى فيمن كان كذلك:{فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}[محمد:٢٧ - ٢٨].