هناك بعض التنبيهات تتعلق بهذه الآيات الأخيرة: قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[البقرة:٢٨٥] قال الزجاج: لما ذكر الله عز وجل في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة والصيام والحج والطلاق والحيض والإيلاء والجهاد وقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والربا والدين ختمها بقوله: {آمَنَ الرَّسُولُ}[البقرة:٢٨٥] آمن الرسول بتعظيمه وتصديق نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بجميع ذلك المذكور قبله وغيره، فكأن هذا تأكيد لكل ما مضى من الأحكام في هذه السورة العظيمة، أي أن موقف المؤمنين من جميع ما تقدم من هذه الأحكام وهي مئات الأحكام في سورة البقرة كان هو الإيمان والتسليم:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ}[البقرة:٢٨٥] فصدقه عليه الصلاة والسلام بما أنزل إليه وتخلق به حتى صار خلقه القرآن صلى الله عليه وآله وسلم.
{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة:٢٨٦] قال الزمخشري: لما كان الشر مما تشتهيه النفس وهي مجبولة عليه وأمارة به، كما قال عليه الصلاة والسلام:(حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره) فالشهوات النفس مجبولة عليها ووراءها النار، والجنة تحتاج إلى مجاهدة، فأسهل شيء على الإنسان أن يدخل النار؛ لأن النفس تعينه على فعل المعاصي والكبائر بل والكفر الذي يئول به إلى النار؛ ولذلك تحتاج النجاة من النار إلى مجاهدة، بخلاف الذي يريد أن يدخل النار فهذا سهل عليه؛ لأن الشهوات تجذبه كما يجذب الضوء الفراش الأحمق، ونفسه وهواه وشيطانه تسول له وتجذبه إلى هذه الشهوات، فلما كان الشر مما تشتهيه النفس وهي منجذبة إليه وهي أمارة به كانت في تحصيله أعمل وأجد فجعلت بذلك مكتسبة فيه، فلهذا قال:(وعليها ما اكتسبت) ولم يقل: (ما كسبت)، ففي الخير قال:(ما كسبت) وفي الشر قال: (اكتسبت)، ومعروف أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، فقال هنا في الشر:(اكتسبت)؛ لأنها تنجذب إلى هذا الشر وتحصله بالاجتهاد.
ولما لم تكن في باب الخير كذلك لفتورها في تحصيله وصفت بما لا دلالة له على الاعتماد والتصرف فقال:(لها ما كسبت).