[معنى السعي في قوله تعالى: (فاسعوا إلى ذكر الله)]
اُختلف في المقصود بقوله تبارك وتعالى: ((فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)).
فالسعي يطلق على أمور عدة: الأول: أن السعي يأتي بمعنى القصد.
قال الحسن في تفسير هذه الآية: والله ما هو بسعي على الأقدام ولكنه سعي بالقلوب والنية.
القول الثاني في تفسير السعي: أن المقصود بالسعي العمل، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [الإسراء:١٩] وقوله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل:٤]، وقال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:٣٩]، وقال زهير: سعى ساعيا غيظ بن مرة بعدما تبزل ما بين العشيرة بالدم أي: أن هناك رجلين من قبيلة غيظ بن مرة سعيا في تحصيل الديات فعملا عملاً حسناً، لكن بعد أن قام ناس فقتلوا قتيلاً فحصل بينهم تصدع في القبيلة، فسعى هذان الرجلان من قبيلة غيظ بن مرة في جمع الديات حتى لا يحصل تصدع بين الناس وقتال.
وقال الشاعر أيضاً: إن أجز علقمة بن سعد سعيه لا أجزه ببلاء يوم واحد يعني: أن أفضاله عليه لا يمكن أن يوفيها.
المعنى الثالث من معاني السعي: المشي على الأقدام المنافي للركوب، وذلك له فضل، ذكر البخاري (أن أبا عبس بن جبر رضي الله عنه مشى إلى الجمعة راجلاً على قدميه، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار) إذاًَ: الأفضل أن يخرج العبد المسلم إلى الصلاة ماشياً؛ استدلالاً بهذا الحديث.
فالسعي هنا بمعنى المشي على الرجلين مخالف للركوب.
المعنى الرابع من معاني السعي: الجري السريع والاشتداد، فهذا هو أحد معاني كلمة السعي، لكنه غير مراد هنا، ولذلك قال المفسرون: وهو الذي أنكره الصحابة الأعلمون والفقهاء الأقدمون، وقرأ عمر بن الخطاب هذه الآية: (فامضوا إلى ذكر الله) وهذه قراءة تفسيرية.
وقال ابن مسعود: (لو قرأت: (فاسعوا) لسعيت حتى يسقط ردائي).
وهذا كله تفسير منهم لا قراءة قرآن منزل، وجائز قراءة القرآن بالتفسير في معرض التفسير والتعليم والإفهام، فتكون قراءة مفسرة، وليس معنى ذلك أنها أوحيت إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
وكذلك قال الشاعر: أسعى على جل بني مالك كل امرئ في شأنه ساعي يسعى عليهم يعني: ينفق عليهم.
ومما يدل على أنه ليس المراد بالسعي هنا العدو حديث (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، ولكن ائتوها وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فقوله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم: (فلا تأتوها وأنتم تسعون) أي: لا تأتوها بالجري، فهذا منهي عنه إلا في حالة واحدة، وهي ما إذا كان قريباً من المسجد وسمع إقامة الصلاة، فهنا يجري كي يدرك تكبيرة الإحرام.
وقال قتادة: السعي أن تسعى بقلبك وعملك.
فجمع مع السعي بالقلب القصد والعمل.
هذا فيما يتعلق بمعنى قوله تعالى: ((فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)).
مسألة: كره بعض السلف التفرغ عن العمل يوم الجمعة، ورأى بعضهم أن في ذلك تشبه باليهود؛ لأن العمل يوم الجمعة فيه التزام بالأمر هنا، كما في قوله سبحانه: {فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:١٠].