[تفسير قوله تعالى:(وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)]
قال تعالى:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات:٥٥].
قوله:((وَذَكِّرْ)) أي: عظهم.
((فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)) أي: من قدر الله إيمانه أو الذين آمنوا؛ فإنهم المقصودون من الخلق لا من سواهم إذ هم العادلون.
يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية الكريمة: قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يجعل الله شيئاً لحكم متعددة، فيذكر بعض حكمه في بعض المواضع، فإنا نذكر بعض حكمه، والآيات الدالة عليها، وقد قدمنا أمثلة ذلك، ومن ذلك القبيل هذه الآية الكريمة فإنها تضمنت واحدة من حكم التذكير، وهي رجاء انتفاع المذكَّر.
هنا اقتصر الشنقيطي على ذكر فائدة واحدة وهي التذكير، لكن هناك فوائد أخرى ثبتت من خلال أدلة أخرى منها: إقامة الحجة على العباد، وهذا هو المطلوب في مجادلة الكفار أنك تبلغهم الحق، وأنت غير مسئول عن استجابتهم، عليك فقط أن تبلغ حجة الله وأن تقيم الشهادة لله على هؤلاء الناس أنه وصلهم الحق وهم الذين أعرضوا عنه، وأوضح دليل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى:{لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}[الأعراف:١٦٤].
ولذلك يقول الشنقيطي: ومن ذلك القبيل هذه الآية الكريمة فإنها تضمنت واحدة من حكم التذكير، وهي رجاء انتفاع المذكر؛ لأنه تعالى قال هنا:((وَذَكِّرْ)) ورتب عليه قوله: ((فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)).
إذاً: هذا تعرض لفائدة من فوائد التذكير.
ثم يقول: ومن حكم ذلك أيضاً: خروج المذكِّر من عهدة التكليف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد جمع الله هاتين الحكمتين في قوله:((قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)).
إذاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تبرأ عهدتك أمام الله سبحانه وتعالى ولا يشترط أن يستجيب الناس لنصيحتك، لكن ما دمت أنت لم تقصر وأديت ما عليك، في هذه الحالة تكون قد أعذرت إلى ربك عز وجل، ولذلك كثير من الناس يتخاذل عن أن ينكر المنكرات، وبالتالي تزداد شيوعاً ويقول: لا فائدة، الناس لا تستجيب وكلامي كعدمه، فيرد على مثل هذا بالقول: إن من حكمة التذكير والنصيحة والوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تقيم حجة الله على هذا العبد بإيصال الحق له.
((وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)) لعلك تصادف قلباً مقبلاً على الله سبحانه وتعالى فيتأثر بالنصيحة كما يحصل لكثير من الناس.