[الحكمة من تكليم عيسى عليه السلام الناس في المهد وعند الكهولة]
أما الحكمة من تكليمه الناس في تلك الحال ففيها قولان: الأول: أنه تكلم لتبرئة أمه مما قذفها به اليهود لعنهم الله من البهتان: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ}[مريم:٣٠].
قال ابن عباس:(تكلم ساعة في مهده ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغ النطق)، أي: أنه لم يتكلم باستمرار، وإنما أنطقه الله سبحانه، ثم عاد مثل سائر الأطفال.
القول الثاني: أنه تكلم لتحقيق معجزته الدالة على نبوته.
فإن قيل: قد علم أن الكهل يتكلم، إذاً: ما الحكمة من قوله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا}[آل عمران:٤٦]؟ ف
الجواب
أنه يتكلم في المهد كلاماً مستوياً مع كلام الكهل، مع أن فارق السن كبير.
فالمقصود أن الكهل هو الحليم، أو أن هذا الكلام خرج مخرج البشارة بطول عمره وأنه يبلغ سن الكهولة.
روي عن ابن عباس قال:(((وَكَهْلًا)) قال: ذلك بعد نزوله من السماء عليه السلام)، وهذا تفسير قوي، وقد مال إليه الدكتور محمد خليل هراس رحمه الله تعالى في كتابه (فصل المقال في رفع عيسى حياً ونزوله وقتله الدجال)، فتكلم بالتفصيل على هذا الأمر.
وفي قوله:((وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا)) إشارة إلى أن المسيح عليه السلام سينزل في آخر الزمان؛ لأن كلامه في المهد معجزة؛ إذاً لا بد أن يكون هناك مظهر من مظاهر الإعجاز في كلامه كهلاً، وهو نزوله من السماء في آخر الزمان يكلمهم بهذا الكلام.
وفي قوله:(وَكَهْلًا) إشارة إلى أنه يمر بالمراحل التي يمر بها سائر الأطفال، وأنه مع الأيام ينتقل من حال إلى حال، ولو كان عيسى عليه السلام إلهاً لم يدخله هذا التغيير.
أي: أن الزمان ومرور الأيام تؤثر فيه بالنمو وبالزيادة وغير ذلك مما هو من صفات الحوادث من التغير والتفاعل، والله سبحانه وتعالى لا يغيره شيء.