قال تعالى:{وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الجمعة:٣].
قوله:(وآخرين) معطوف على الأميين، أي: هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم وبعثه في آخرين من غير الأميين الذين كانوا موجودين في زمن بعثته عليه الصلاة والسلام، ومن يأتي بعدهم.
فهذه إشارة إلى عموم رسالته، وأنها تشمل الذين سوف يدخلون في الإسلام فيما بعد، وهم الذين بعد الصحابة رضي الله تعالى عنهم ممن يدخل في الإسلام إلى يوم القيامة كما فسره مجاهد وغيره واختاره شيخ المفسرين ابن جرير رحمه الله تعالى.
فإذاً: هذه بشارة بانتشار الدين في الآفاق كلها، وأن الإسلام سوف يعم البشرية فيما بعد.
قال الرازي: فالمراد بالأميين: في قوله (هو الذي بعث في الأميين) العرب، والمراد بالآخرين في قوله:(وآخرين منهم) سواهم من الأمم.
وجعلهم منهم فيه إشارة إلى رابطة العقيدة، وأنها تجعل المسلم أولى الناس بأخيه المسلم، وأن رابطة الدين تكون فوق رابطة الجنس والنسب، فالمسلمون كلهم أمة واحدة وإن اختلفت أجناسهم، كما قال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[التوبة:٧١].
هناك إعراب آخر لقوله تعالى:(وآخرين) فإنه يجوز أن يكون معطوفاً على الأميين كما مر معنا، والقول الآخر: أن يكون معطوفاً على الضمير (هم)، في قوله:(يعلمهم ويزكيهم) بمعنى: يعلمهم ويعلم الآخرين من المؤمنين؛ لأن التعليم إذا تناسق إلى آخرِ الزمان كان كله مسنداً إلى أوله، فكأنه هو الذي تولى كل ذلك، فهو علم الصحابة، والصحابة علموا التابعين، ثم التابعون علموا الأمم، وهكذا صار العلم ينتقل من جيل إلى جيل، لكن هذا العلم إذا تناسق في سلسلة متصلة من أهله وطلابه إلى آخر الزمان، فهو في الحقيقة مسند إلى أوله، فمن الذي علم العلماء في زمننا وقبل زمننا وبعد زمننا إلى أن تقوم الساعة؟ إنه النبي عليه الصلاة والسلام، فيصدق عليه أيضاً أنه الذي يزكيهم كما علمهم.
أيضاً هناك إشارة إلى نفس المعنى في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يقاتلون فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة:٥٤] فقوله تعالى: ((فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ)) يساوي قوله: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}[الجمعة:٣].