[تفسير قوله تعالى: (والنخل باسقات لها طلع نضيد)]
يقول عز وجل: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق:١٠].
أي: وأنبتنا بالماء الذي أنزلناه من السماء النخل.
وقوله: ((بَاسِقَاتٍ)) يعني: طوالاً أو حوامل، من أبسقت الشاة إذا حملت، فيكون من أفعل فهو فاعل، والفعل إذا أتى على وزن (أفعل) فاسم الفاعل منه على وزن (مفعل) كقولك: أركب فهو مركب، وأظهر فهو مظهر، هذا هو الأصل والقياس، وما جاء على خلاف هذا فهو من النوادر، كالصوائخ واللواقح في أخوات لها شاذة.
فمثلاً: الفعل الرباعي أصاخ الأصل أن يكون الفاعل على وزن (مفعل) مصيخ، لكنها جاءت على وزن (فاعل) (صائخ) شذوذاً.
كذلك الفعل الرباعي ألقح، المفروض أن يكون على وزن (مفعل) ملقح، لكنه جاء على (فاعل) لاقح: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر:٢٢] جمع لاقح.
كذلك قوله: (باسقات) أصلها أبسق، فالمفروض أن تكون على وزن (مفعل) لكنها جاءت على (فاعل) (باسق).
نلاحظ هنا في هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى أفرد النخل بالذكر: (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ) مع دخولها في جنات، لبيان فضلها لكثرة منافعها؛ لأن النخلة شجرة مباركة مثمرة.
فكل شيء في النخل مفيد، وأصحاب النخل والزروع يعرفون أنه لا يوجد شيء في النخل يستغنى عنه، وإنما هي شجرة مباركة، كما قال الله سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم:٢٤ - ٢٥].
ومعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام سأل الصحابة سؤالاً، وكان ابن عمر موجوداً مع كبار القوم، فقال: (إن من الشجر شجرة تعرفونها هي مثل المؤمن؟ فخاض الناس في أنوع الشجر، لكن عبد الله بن عمر مع صغر سنه عرف أنها النخلة، فاستحيا أن يتكلم وفي المجلس من هم أكبر منه سناً)، والحديث رواه البخاري.
فالشاهد أن النخل له من البركة والخيرات خصائص معروفة لدى الجميع، ولذا أفردها بالذكر بعد الجنات مع أنها نوع منها.
قوله: ((لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ)) الجملة في محل نصب.
(لها) شبه جملة في محل رفع خبر مقدم.
و (طلع) مبتدأ مؤخر مرفوع بالضم، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب صفة لباسقات.
((نضيد)) يعني: متراكب بعضه فوق بعض.