للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله: (ونعلم ما توسوس به نفسه)]

قوله: ((وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ)) هو مثل: ((وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ)) فإنه سبحانه يعلم ذلك.

والدليل على أن الملائكة يعلمون ذلك: ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا هم العبد بحسنة) والهم نية من القلب، يعني: إذا حدث نفسه بفعل الخير (إذا هم العبد بحسنة كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشر حسنات، وإذا هم بسيئة فعملها كتبت عليه سيئة واحدة، وإن تركها لله كتبت له حسنة) فالملك يعلم ما يهم به العبد من حسنة وسيئة، وليس ذلك من علم الغيب الذي اختص الله سبحانه وتعالى به.

وقوله: ((وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)) يقتضي أنه سبحانه وجنده الموكلين بذلك يعلمون ما توسوس به نفس العبد كما قال: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:٨٠] أي: يكتبون السر والنجوى، والسر هو ما في نفس الإنسان مما لا ينطق به، فالله يعلم ما في نفس الإنسان ومن يشاء من ملائكته الذين يكتبون كما قال هنا: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:١٨]، وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس:١٢] وأخبر أن جنده يكتبون بأمره، وفصل في تلك الآية بين السماع والكتابة؛ لأنه يسمع بنفسه، وأما كتابة الأعمال فتكون بأمره، فقال: ((أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)).

وقوله تعالى: ((ونحن أقرب إليه)) مثل قوله: ((نكتب ما قدموا وآثارهم)) هل الله سبحانه وتعالى هو الذي يكتب؟ الملائكة هي التي تكتب، لكنها تكتب بأمر الله؛ فلذلك نسب الله الكتابة إلى نفسه سبحانه وتعالى.

أما قوله: ((ولقد خلقنا الإنسان)) فهي خاصة بالله الذي خلق الخلق، وقوله: (ونعلم ما توسوس به نفسه) يشمل الملائكة فهي تعلم ما توسوس به نفس الإنسان، للأدلة التي ذكرنا.

إذاً: قوله تعالى: ((ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)) أي: الملائكة أقرب إليه من حبل الوريد، وإن كان الظاهر أن الله هو القريب؛ لكن المراد الملائكة، بدليل هذه الآية الواضحة في سورة يس: ((إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم)) يعني: وتكتب ملائكتنا؛ لأن الملائكة هي التي تكتب كما في الأدلة المعروفة، فلما كانت ملائكته قريبين إلى العبد بأمره، كاتبين عمله بأمره، فإن ذلك قربه من كل أحد بواسطة الملائكة، وتكليم الله لعبده يكون بواسطة الرسل، ونستطيع أن نقول: إن الله سبحانه وتعالى كلم محمداً وعيسى ونوحاً وإبراهيم وسليمان وداود، لكن عن طريق الملك، قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} [الشورى:٥١] إذاً: الله يكلم الأنبياء بالوحي؛ بغض النظر عن خصيصة موسى عليه السلام حيث كلمه بدون واسطة الملك، فنوح عليه السلام -مثلاً- كلمه الله بالوحي، فقوله: (يكلمه الله) أي: عن طريق جبريل ملك الوحي، فهذه صورة من صور تكليم الله للرسل.