(إنه طغى)، أصل الطغيان: مجاوزة الحد، ومنه:{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ}[الحاقة:١١]، وقد بين تعالى شدة طغيان فرعون ومجاوزته الحد في قوله تعالى:{فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}[النازعات:٢٤]، وقوله عنه:{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}[القصص:٣٨]، وقوله عنه أيضاً:{لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}[الشعراء:٢٩].
(ولا تنيا)، مضارع وني يني على حسب قول ابن هانئ في الخلاصة، يقول: والونى أو الوني في اللغة الضعف والفتور والكلال والإعياء، وقال العجاج: فما ونى محمد مذ أن غفر له الإله ما مضى وما غبر يعني: ما كسل وما تعب وما أعيا.
إذاً: قوله: ((وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي)) أي: لا تضعفا ولا تفترا في ذكري، وقد أثنى الله على من يذكره في جميع حالاته بقوله:{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}[آل عمران:١٩١]، وأمر بذكره عند لقاء العدو بقوله:{إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا}[الأنفال:٤٥]، وقال ابن كثير رحمه الله: والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله حال مواجهة فرعون، فيكون ذكر الله عوناً لهما عليه، وقوة لهما وسلطاناً كاسراً له، كما جاء في الحديث:(إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مناجز قرنه) أي: وهو يلاقي أو يقاتل قرنه أي: خصمه.
وقال بعض أهل العلم:(ولا تنيا في ذكري): لا تزالا في ذكري، واستشهد لذلك بقول طرفة: كأن القدور الراسيات أمامهم قباب بنوها لا تني أبداً تغلي أي: لا تزال تغلي.