للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل هذه الآية معطوفة على ما قبلها أم مقطوعة؟]

اختلف المفسرون هل هذه الآيات مقطوعة عما قبلها أو معطوفة عليها، فقال بعضهم: إنها معطوفة على قوله تعالى: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ))، وإن الآيات التي في الحشركلها معطوفة بعضها على بعض، ولو تأملوا ذلك وأنصفوا لوجدوه على خلاف ما ذهبوا إليه؛ لأن الله تعالى يقول: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ} [الحشر:٢] إلى قوله تعالى: {الْفَاسِقِينَ} [الحشر:٥] , فأخبر عن بني النضير وبني قينقاع، ثم قال: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} [الحشر:٦]، فأخبر أن ذلك الفيء هو للرسول صلى الله عليه وسلم خاصة؛ لأنه لم يوجف عليه حين خلوه، وما تقدم فيه من القتال وقطع الشجر منه فقد كانوا رجعوا عنه، وانقطع ذلك الأمر، وقد سبق أن شرحنا ذلك.

ثم قال تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر:٧]، وهذا كلام غير معطوف على الأول بل هو كلام مستأنف، وكذلك أيضاً قوله تعالى: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ)) هو ابتداء كلام في مدح الأنصار والثناء عليهم، فإنهم سلموا ذلك الفيء للمهاجرين، وكأنه قال: الفيء للفقراء المهاجرين، ثم استأنف مدح الأنصار فقال: وأما الأنصار فإنهم يحبون هؤلاء المهاجرين، ولم يحسدوهم على ما صفى لهم من الفيء.

وكذلك أيضاً قوله تعالى: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ))، وهذا ابتداء كلام، والخبر: ((يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ))، فالراجح أن آيات سورة الحشر ليست معطوفة.

وقال مالك بن أوس: قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الآية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة:٦٠] فقال: هذه لهؤلاء، ثم قرأ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال:٤١] فقال: هذه لهؤلاء، ثم قال: ((وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ)) حتى بلغ: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ)((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ)((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ) ثم قال: لأن عشت ليأتين الراعي وهو بسرو حمير -وهي: منازل حمير بأرض اليمن، والسرو من الجبل: ما ارتفع عن مجرى السيل، وانحدر عن غلظ الجبل- ليأتين الراعيَ وهو بسرو حمير نصيبُه منها لم يعرق فيها جبينه.

وقيل: إنه دعا المهاجرين والأنصار واستشارهم فيما فتح الله عليه من ذلك، وقال لهم: تثبتوا الأمر وتدبروه ثم اغدوا عليّ، ففكر في ليلته فتبين له أن هذه الآيات أنزلت في ذلك، فلما غدا عليهم قال: قد مررت البارحة بالآيات التي في سورة الحشر وتلا: ((مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى)) إلى قوله: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ) فلما بلغ قوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:٨] قال: ما هي لهؤلاء فقط، وتلا قوله: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ)) إلى قوله: ((رَءُوفٌ رَحِيمٌ) ثم قال: ما بقي أحد من أهل الإسلام إلا وقد دخل في ذلك، وذلك لأن اللفظ على هذا التفسير فيه عطف في هذا الجزء، أي: أنه جعل مال الفيء مستحقاً لثلاث طوائف وهي: المهاجرون والأنصار، ثم من يأتي بعد المهاجرين والأنصار بشرط أن يحب المهاجرين والأنصار، فدل هذا على أن المبغضين للصحابة رضي الله تعالى عنهم لا حظ لهم في ذلك الفيء.

وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر رضي الله عنه قال: لولا من يأتي من آخر الناس ما فتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر.