[تفسير قوله تعالى:(أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه)]
يقول تعالى:((أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ)) يعني: يتوبون بالتوحيد والتنزيه عما نسبوه إليه من الاتحاد والحلول، فيرجعون عن التمسك بالمتشابهات إلى القطعيات، فالاستفهام لإنكار الواقع واستبعاده، ففيه تعجب من إصرارهم على هذه المقالات الفاسدة مع وضوح بطلانها.
ومدار الإنكار والتعجب عدم الانتهاء والتوبة معاً، فلا هم يريدون أن ينتهوا عما يقولون، ولا يريدون أن يتوبوا إلى الله ويستغفروه، أو أن المقصود: ألا يتوبون بعد هذه الشهادة المقررة عليهم بالكفر، وبعد هذا الوعيد الشديد مما هم عليه؟! يقول الحافظ ابن كثير: وهذا من كرمه تعالى وجوده ولطفه ورحمته بخلقه، مع هذا الذنب العظيم وهذا الافتراء والكذب والإفك يدعوهم إلى التوبة والمغفرة، فكل من تاب إليه تاب الله عليه، كما قال عز وجل:((وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ))، فيغفر لهؤلاء إن تابوا ولغيرهم، {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
ثم أشار تعالى إلى بطلان التمسك بمعجزات عيسى وكرامات أمه على إلهيتهما؛ لأن المساكين من النصارى أو عديمي العقول من النصارى يستدلون بمعجزات المسيح عليه السلام ويستدلون بكرامات أمه مريم عليها السلام على هذه الألوهية المزعومة، فأشار عز وجل هنا إلى بطلان تمسكهم بمعجزات عيسى وكرامات أمه على إلهيتهما؛ لأن غاية ما في الأمر حينما تجري هذه المعجزات على يد المسيح عليه السلام أنه يدل على نبوته، وهو ليس بدعاً من الرسل، وإنما هو كمن سبقه من إخوانه الأنبياء الذين أتوا بمعجزات أجراها الله على أيديهم لتدل على صدق دعواهم الرسالة، فهذا غاية ما يدل عليه جريان المعجزات على يد المسيح عليه السلام، كذلك مريم إذا وقعت لها كرامات فقد وقعت كرامات لمن سبقها من أولياء الله كما هو معلوم.
فهنا المقصود من هذا السياق استنزالهم عن الإصرار على ما تقولوا عليهما، يريد القرآن أن يستنزلهم وينتزعهم من إصرارهم على هذا الباطل إرشاداً لهم إلى التوبة والاستغفار التي دعاهم إليها الله سبحانه وتعالى، فبعد ما قال:{أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المائدة:٧٤] شرع عز وجل في استنزالهم وإنقاذهم من هذا الكفر المبين.