[تفسير قوله تعالى:(مرج البحرين يلتقيان فبأي آلاء ربكما تكذبان)]
قال تعالى:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:١٩ - ٢١].
قوله:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ}، يعني: أرسل البحرين ((يلتقيان))، من قولك: مرج فلان دابته إذا أرسلها وتركها، والمعنى: أرسل وأجرى البحر الملح والبحر العذب.
{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} يعني: يتجاوران، وهذا معروف بظاهرة الأنهار والبحار، فكثير من الأنهار تلتقي في النهاية مع البحار، وتصب فيها ماءها، فما أعجب خلق الله سبحانه وتعالى لهذه البحور والأنهار التي تصب فيها، فلا الأنهار جفت، ولا البحار امتلأت!! فهنا يشير الله سبحانه وتعالى إلى آية أخرى من آياته ونعمة من نعمه وهي قوله:((مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ))، أي: أرسل وأطلق البحرين ((يَلْتَقِيَانِ))، البحرين: العذب والملح، ويمكن أن يقال: المالح أيضاً كما يقول الشاعر: تلونْتَ ألواناً علي كثيرة وخالط عذباً في إخائك مالح فهذا شاهد في استعمال كلمة مالح في الملح.
((يَلْتَقِيَانِ)) يعني: يتجاوران.
((بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ)) أي: حاجز من قدرة الله تعالى وبديع صنعه.
((لا يَبْغِيَانِ)) أي: لا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة وإبطال الخاصية، وهذه آية من آيات الله سبحانه وتعالى، والناس المتخصصون في علوم البحار يعرفون جيداً أن هناك منطقة دائماً تكون بين النهر العذب وبين البحر الملح، وهذه منطقة لها خواص معينة، فهي بمثابة برزخ وحاجز حتى إنه لتعيش فيها كائنات مائية خاصة لا تعيش في العذب ولا تعيش في الملح، وهذه نحن نلاحظها هنا في مصر في منطقة رشيد، وهذه الأماكن التي يحصل فيها هذا الإلتقاء والتشابك حينما تصور من الفضاء أو من الجو تلاحظ بشكل مميز، وهي التي تحول دون اختلاط البحرين تماماً في بعضهما البعض، فلا يبغي واحد منهما على الآخر؛ فلذلك قال تعالى:{بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ} يعني: إذا دخل أحدهما في الآخر قد يجري فيه فراسخ ولا يتلاشى ولا يضمحل حتى يغير أحدهما طعم الآخر ولونه كما نشاهده.
وهذه ليست فقط بين البحار والأنهار، فإن هناك حدوداً ربانية بين البحار، فمثلاً: المحيط الأطلسي والبحر المتوسط عند نقطة التقائهما هناك أيضاً برزخ وحاجز، فخصائص هذا الماء غير خصائص الماء الآخر، والكائنات التي تعيش هنا ليست الكائنات التي تعيش هنا وهكذا، وهذه موجودة حتى بين البحار الكبرى.
((فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ))، أي: مما في البحرين وخلقهما من الفوائد.