للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكمة الإعتاق في القتل الخطأ]

قيل في حكمة هذا الإعتاق: إنه لما أخرج نفساً مؤمنة من جملة الأحياء بالقتل خطأً، لزمه أن يدخل نفساً مؤمنة مثلها في جملة الأحرار؛ لأن إطلاقها من قيد الرق كإحيائها، فانظر تقدير الإسلام لحرية الإنسان حيث جعل إخراج العبد المؤمن أو الأمة المؤمنة من الرق إلى الحرية كفئاً ومقابلاً لإخراجه النفس المؤمنة من الأحياء إلى عالم الأموات.

والرق أثر من آثار الكفر، والكافر حكمه حكم الميت؛ لأن الكافر لا حياة له، يقول تبارك وتعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام:١٢٢] يعني: من كان كافراً فأحييناه بالإيمان، فالكافر في حكم الميت، حتى إن بعض العلماء فسروا قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:٢٢] بأنهم الكفار؛ لأنهم مثل أصحاب القبور، حتى لو كان الكافر يرى في صورة الحي رائحاً وغادياً، لكنه في الحقيقة ميت والعياذ بالله.

فالرقيق ملحق بالأموات؛ لأن الرق أثر من آثار الكفر، والسبب الأصلي في الرق هو الكفر، إذ بالجهاد في سبيل الله يؤسر الكفار، فيكونوا أرقاء بسبب هذا.

وهذه عقوبة من الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم أبوا أن يكونوا عبيداً لله سبحانه وتعالى باختيارهم، وليس هذا فحسب بل سعوا في قتال الفئة المؤمنة التي تدعوهم إلى التوحيد، فعاقبهم الله بأن جعلهم عبيداً لعبيد أمثالهم مع إبقائهم على قيد الحياة.

فهذا بلا شك أحسن مما يحصل الآن من المجازر التي تحصل في الحروب، ودفن الجنود أحياء وغير ذلك من الأوضاع الشنيعة، فالإسلام استبقاهم أحياء، لكن لما أبوا العبودية لله عاقبهم الله بأن صاروا عبيداً لعبيد أمثالهم، لكنهم من المؤمنين.

فإذا حصل أن يسترق الإنسان كافراً ثم يسلم هذا الكافر هل يزول عنه حكم الرق؟ لا يزول؛ لأن الحق اللاحق لا يرفع ولا يزيل الحق السابق؛ ولأن سبب الرق ومنبعه هو الكفر، فالرق أثر من آثار الكفر، والكفر موت حكماً كما قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:١٢٢].

ولهذا منع الكافر العبد من أن يتصرف تصرف الأحرار، وهذا فيما يتعلق بحق الله سبحانه وتعالى في هذا الذي قتل أخاه المؤمن خطأً، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)، فالواجب عليه في حق الله تحرير رقبة مؤمنة، أما في حق البشر أولياء هذا الميت (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) يعني: الواجب عليه دية لحق ورثة المقتول، وتكون الدية عوضاً لهم عما فاتهم من قتيلهم، فيؤتى بالدية وتوزع على الورثة الشرعيين لهذا القتيل، كما توزع الأنصبة الشرعية للورثة.