فيما تقدم من الآيات بيّن الله تبارك وتعالى وجوب ترك موالاة المشركين، وبما أنه يجب ترك موالاة المشركين فإن ذلك يقتضي الانفصال عن المشركين، والهجرة من بلاد الكفار إلى بلاد الإسلام، وهذه الهجرة يترتب عليها فراق المؤمنات المتزوجات بالكافرين أزواجهن الكافرين، وأن يهاجرن إلى ديار الإسلام، فيقول تعالى:((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ)).
فالخطاب هنا للمؤمنين، والمقصود به النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
((مُهَاجِرَاتٍ)) أي: من مكة إلى المدينة، ((فَامْتَحِنُوهُنَّ)) أي: فاختبروهن بما يغلب على ظنكم صدقهن في الإيمان، ((اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ)) أي: الله سبحانه وتعالى هو المطلع على قلوبهن لا أنتم، فإنه غير مقدور لكم، فحسبكم أماراته وقرائنه.
والمقصود بالامتحان هنا كما بينت بعض الروايات: بأن تشهد الشهادتين، وقال بعضهم: بأن تحلف أنها ما هاجرت إلا حباً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وما هاجرت بغضةً لزوج، أو غير ذلك من الأغراض، فتذكر المرأة ما عندها، ويقبل منها قولها في الظاهر.
فإذاً: هذا لا يعني التفتيش عما في الباطن؛ لكن هناك أمور اقتضت هذا الامتحان في حق النساء دون الرجال، فإنه لم يحدث امتحان للرجال، وإنما كان الامتحان للنساء خصوصاً، وإلا فقد أتى كثير من المهاجرين من مكة إلى المدينة ولم يحدث مثل هذا الامتحان وسوف نبين إن شاء الله تعالى الفرق بين الرجال والنساء في ذلك.
فالمقصود من قوله تعالى:((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ)) يعني: اختبروهن كي تسمعوا منهن ما يغلب على ظنكم صدقهن في الإيمان، ولا يلزم من هذا الامتحان القطع بأنهن مؤمنات في القلب؛ لأن ما في الباطن لا يطلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى.