[وقفة مع المتخاذلين عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
الحقيقة وردت شكوى من أحد إخواننا الأفاضل الأسبوع الماضي يقول فيها: توجد الآن منكرات كثيرة، خاصة فيما يتعلق بالاختلاط القبيح جداً بين الفتيان والفتيات، والمصيبة أن بعض الإخوة يمرون على المنكرات مرور الكرام ولا يتكلمون، مع أنه من المؤكد أنه لن يتعرض لضرر إذا نصح ولن يقبض عليه ولن يعذب ولن يعتقل، ولو كل واحد مر بفتاة وبجانبها شاب أجنبي عنها وغضضت البصر وقال لهما: اتقيا الله سبحانه وتعالى، توبا إلى الله، هذا الاختلاط حرام، إذا كنت أجنبية عنه وهكذا، ونصحهما وأدى ما عليه ومضى فإنه يرجى إن شاء الله تعالى أنه مع الوقت سيشعران بأنهما يفعلان شيئاً خطأ ويبد كل منهما في تحاشي مثل ذلك الاختلاط، لكن سكوتنا مما يعمق ظهور هذه الفتن وهذه المنكرات، وبالتالي نستحق الوعيد الذي قال في شأنه الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه).
فالشاهد: أن الإنسان عليه ينصح، وليس عليه مسئولية الاستجابة، وإنما عليه مسئولية إذا نفر المدعو، وإذا أمر بجهل أو نهى بجهل، أو أخطأ في مراعاة الآداب الشرعية والضوابط الشرعية للنصيحة، لكن ما دام أنه يراعي هذه الضوابط ويتكلم عن علم، ويعظ بالحكمة والموعظة الحسنة فهو غير مسئول، عليه فقط أن يقيم الحجة، فانتبهوا لهذا، حتى لو كان الناس لا يستجيبون فسنظل مطالبين بنصيحتهم.
ثم يقول الشنقيطي: ومن حكم ذلك أيضاً: النيابة عن الرسل في إقامة حجة الله على خلقه في أرضه.
يعني: هذه الأمة وظيفتها أنها نائبة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام هو خاتم الأنبياء والمرسلين ولا نبي بعده، مع أننا نؤمن بأن كل ذكر مولود على الأرض منذ بعثته إلى يوم القيامة مسئول عن دين محمد، وسيسأل في القبر الأسئلة الثلاثة المعروفة: من ربك؟ وما دينك؟ وماذا تقول في رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقال عليه السلام: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي إلا كان من أصحاب النار) كما في صحيح مسلم.
فإذاً: علينا أن نعي واجبنا في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في ضوء قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:١٤٣] أي: عدولاً، {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:١٤٣]، فهذه الأمة من مسئوليتها القيام بالشهادة وتحمل دعوة الإسلام وإيصالها إلى كل البشر على وجه الأرض؛ لأنها تخلف الرسول عليه السلام في إقامة الحجة على الخلق، يقول الله تبارك وتعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:١٦٥]، فبالنسبة لأمتنا بالذات العلماء ورثة الأنبياء وكل مسلم مطالب بأن يبلغ ما استطاع، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (بلغوا عني ولو آية) لأنه بهذا البلاغ تقوم الحجة على الخلق، وتظل وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة الحجة على البشر من خلال القرآن والسنة قائمة عن طريق الأمة التي تبلغ الناس.
وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه:١٣٤]، وقال تعالى: {وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص:٤٧].
وقال تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:١٠٥]، هذه الآية تفهم خطأً كالآية التي نحن بصددها، فقوله: ((عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ)) يظن المتخاذل عن الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنها حجة له في أن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نقول: المقصود بقوله: ((عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ)) أي: الزموا أنفسكم الحق إن لم يستجب الآخرون.
قوله: ((لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)) من ضمن التفاسير التي تبطل هذا المذهب قول من قال: لا يضركم من ضل بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا اهتديتم.