ثم بين تعالى ذلة أهل النار وسؤالهم أهل الجنة من شرابهم وطعامهم -بعد التكبر عليهم، وبعدما أقسموا لا ينالهم الله برحمة- وأنهم لا يجابون إلى ذلك.
(أن أفيضوا علينا من الماء) أي: الذي رحمكم الله سبحانه وتعالى به ليسكن حرارة النار والعطش.
وإنما قالوا (أفيضوا) لأن الإفاضة تكون من أعلى إلى أسفل، وأهل الجنة أعلى مكاناً، والمعنى: أنزلوا علينا، (من الماء أو مما رزقكم الله) من الأطعمة والفواكه؛ لأن أهل النار يعذبون بكل أنواع العذاب، وبما لا يعلمه على حقيقته إلا الله سبحانه وتعالى، سواء كان الجوع أو العطش أو الضيق والزحام أو الظلمة أو النار أو العقارب والحيات وغير ذلك من أنواع العذاب.
والحقيقية أن الإنسان إذا تخيل هذا العذاب الذي يكون في جهنم والتي نارها ضعف نار الدنيا سبعين مرة، فإنه لا يهنأ عيشاً ولا يطيب له طيب ولا يقر له قرار!.
وهذه الآية مما يدل على أنهم يعانون العطش والجوع، وإذا قدر للإنسان أن يدخل عنبر الحرائق في أي مستشفى عمومي؛ لوجد العناء الذي يعني يلاقيه من يحرق حرقاً، وكيف يصرخ هؤلاء المرضى طلباً لرشفة ماء واحدة فقط من شدة تعطشهم إلى هذا الماء.
فكيف يكون الحال إذا كان الحريق أضعافاً مضاعفة؟! فهؤلاء يعانون الجوع ويعانون العطش:(أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) هاهم الآن يتذللون لهم، ويؤملون أن يفيضوا عليهم مما أتاهم الله سبحانه وتعالى من الأطعمة والفواكه.
(قالوا إن الله حرمهما على الكافرين) يعني منعهما عنهم؛ لأنه أنعم عليهم في الدنيا فلم يشكروه، فمنعهم نعمه في الآخرة وحرمها عليهم، فالتحريم هنا هو تحريم منع وليس تحريماً شرعياً؛ لأن الآخرة ليس دار تكليف.