عدد الله على نبيه نعمه العظمى في سورة الشرح، فقال سبحانه وتعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}[الشرح:١] قيل: هو شق صدره الشريف وغسله وملئه حكمة وإيماناً، وقيل: هو توسيعه للمعرفة والإيمان، وجعل قلبه وعاء للحكمة، وفي البخاري عن ابن عباس قال: شرح الله صدره للإسلام، وقال ابن كثير في تفسير قوله:((أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)): نورناه وجعلناه فسيحاً رحيباً واسعاً، كقوله تعالى:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ}[الأنعام:١٢٥]، وقال تعالى:{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}[الزمر:٢٢]، وقال جل وعلا:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}[الشرح:٤].
ثم قال:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}[الشرح:٤] اختلف في تفسير هذه الآية، فمن قائل: إنه رفع حسي، أي: إن ذكرك واسمك الشريف يذكر في الأماكن العالية على المنابر في الخطب، وفي الأذان، وفي الإقامة، وافتتاحيات الكلام في الأمور الهامة، واستدلوا لذلك بالواقع فعلاً حيث إن الله سبحانه وتعالى رفع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رفعاً حسياً، واستشهدوا على ذلك بقول حسان رضي الله تعالى عنه يمدح النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: أغر عليه للنبوة خاتم من الله مشهود يلوح ويشهد وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد ومن رفع ذكره صلى الله عليه وسلم ذكر صفته واسمه في كتب الأنبياء قبله، حتى عرف للأمم الماضية قبل مجيئه صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ذلك جعله تعالى الوحي ذكراً له، قال الله:{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}[الزخرف:٤٣ - ٤٤]، فتبين أن رفع ذكره صلى الله عليه وسلم إنما هو عن طريق الوحي، فقوله:((وَإِنَّهُ)) أي: القرآن ((لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ)) يعني: رفعة ومجد، وعلو شأن لك ولقومك إن اتبعوا هذا القرآن، فبين الله سبحانه وتعالى أن الله يرفع ذكر النبي عليه السلام بالقرآن، لذا تأملوا الآية:((فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))، ((وَإِنَّهُ)) أي: هذا الوحي الذي هو القرآن ((لَذِكْرٌ لَكَ)) لرفعة شأن لك ((وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ))، فهذا بيان أن الله رفع ذكره صلى الله عليه وسلم بالوحي سواء كان الوحي نصوصاً توجه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، ففي الوحي توجد أنواع من المخاطبة للرسول صلى الله عليه وسلم كلها تدل على رفع ذكره وشأنه عند الله بالوحي؛ كقوله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ}[المائدة:٤١]، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}[الأنفال:٦٤]، {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر:١]، {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}[المزمل:١]، ولم يخاطبه باسمه قط، فلا توجد آية واحدة في القرآن فيها خطاب من الله سبحانه وتعالى للنبي عليه الصلاة والسلام باسمه، وإنما يخاطبه بأوصافه، بخلاف الخطاب مع جميع الأنبياء قبله كما سنبين ذلك إن شاء الله تعالى.
فأما في مقام إثبات الرسالة والشهادة له بأنه رسول فقد صرح باسمه بقوله:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ}[الفتح:٢٩] يعني: الله هو الذي يخبر بصدقه في هذه الرسالة، أو رفع ذكره في الوحي عن طريق الوحي، والوحي يعم القرآن والسنة، فكلاهما وحي، ورفع ذكره في فروع الشريعة -كما ذكرنا- في الأذان وفي الإقامة، وفي التشهد، وفي الخطب، وفي الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، والكافر إذا أتى بكل شعب الإيمان، ولكنه لم يشهد أن محمداً رسول الله، فهو باق على كفره، وهو من أهل جهنم الخالدين فيها؛ لأنه لم يشهد له صلى الله عليه وسلم بالرسالة.