[الآيات الواردة في بيان أن عمل الكافر يحبط في الآخرة ويجازى به في الدنيا]
قوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء:١٩].
وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء:١٢٤].
وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر:٤٠]، ومفهوم هذه الآيات أن غير المؤمنين إذا أطاع الله بالإخلاص فإن ذلك لا ينفعه؛ لفقد شرط القبول وهو الإيمان بالله جل وعلا، فينبغي الالتفات إلى هذا الأمر، وذلك أن اتصاف الإيمان يكون سبباً في حدوث عمل الآخرة، ولذلك شاع عند العلماء عبارة تلخص هذا القضية وهي قولهم: سيئة الموحد خير من حسنة المشرك، فالشخص الموحد يشهد أن لا إله إلا الله سبحانه وتعالى ويؤدي لوازم ذلك، فمع التوحيد يعمل السيئة، فهذه المعصية أفضل من الحسنة التي يعملها المشرك، فإذا قصر الموحد في شيء معين أو ارتكب سيئة معينة، فهذه السيئة بالنسبة لحسنة المشرك هي أفضل منها، مع أن هذه سيئة وهذه حسنة، لكن هذه صادرة من موحد، فإنه غاية ما في الأمر أنها تنقص إيمانه، أو أنه يعذب من أجلها إن لم يعف الله عنها، أو تكفرها أعمال صالحة أخرى، وأما حسنة المشرك فلا تنفعه مع الشرك؛ لأن الكفر سيئة لا تنفع معها حسنة، والكلام عن هذه المسألة نسبي، فلا نقول: إن السيئة أمر طيب، ولا نقول: يا أيها الموحدون! تمادوا في السيئات، لا، لكننا نذكر موازنة الأعمال السيئة، فمع كونها قبيحة من الموحد لكنها أفضل من حسنة المشرك.
وقد أوضح الله سبحانه وتعالى هذا المفهوم في آيات أخر، فقال في هذه الآيات التي ذكرناها: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [الإسراء:١٩]، وقال: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النساء:١٢٤] فالاستدلال هنا على حرية الناس استدلال بالمفهوم على أن الكفر سيئة لا تنفع معها حسنة، ومثل قوله: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ} [غافر:٤٠] إلى آخره، فالاستدلال هنا بالمفهوم لا المنطوق، فالمفهوم: أن غير المؤمن إذا أطاع الله بإخلاص لا ينفعه ذلك؛ لأنه فقد شرط القبول وهو الإيمان، وهذا المفهوم وضحته آيات أخرى، بل صرحت به بدلالة المنطوق آيات أخرى منها: قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:٢٣] فهذا منطوق، وهو أقوى بلا شك.
وقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ} [إبراهيم:١٨].
وقوله تعالى في سورة النور: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور:٣٩]، وكذلك قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:١٦].
وقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ} [الأحزاب:١٩].
وقد بين الله سبحانه وتعالى في مواضع أخر أن عمل الكافر الذي يتقرب به إلى الله يجازى به في الدنيا، ولا حظ له منه في الآخرة.
إذاً: فعمل الكافر في الآخرة يحبط ويبطل، أما في الدنيا فإنه ينفعه إذا شاء الله ذلك، كما قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:١٥ - ١٦].
وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى:٢٠].