قال عز وجل:{وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}[الكهف:٢]، يعني: وليبشرهم بأن لهم أجراً حسناً، والأجر هو جزاء العمل، وجزاء عملهم المعبر عنه هنا بالأجر هو الجنة.
ولهذا قال:{مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا}[الكهف:٣] فلذلك صح تفسير الأجر الحسن بأنه الجنة؛ لأنهم ماكثون فيه أبداً.
أما وجه الصدق لهذا الأجر فالقرآن الكريم مليئ بالآيات التي توضح وصف كونه أجراً حسناً؛ كقوله تعالى:{ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ}[الواقعة:١٣ - ١٦]، كل هذا وصف الجنة، وشرح لكلمة (حسناً)، وقال تعالى:{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[السجدة:١٧].
{مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا}، أي: خالدين فيه بلا انقطاع، كما في قوله {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}[هود:١٠٨]، أي: غير مقطوع، وقال عز وجل:{خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا}[الكهف:١٠٨]، الدنيا مهما كان فيها من قصور أو جنات لابد أن يصيب صاحبها الملل، لذا تجده يرغب دائماً في التغيير، حتى أن صاحب البساتين يفزع إلى الصحراء، ويسعد جداً بتغيير الجو كما يقولون، أو العكس.
أما الجنة فلا يمكن أبداً أن يتطرق أي ملل إلى أهلها كما قال الله:{لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا}[الكهف:١٠٨]، وقال تبارك وتعالى:{إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ}[ص:٥٤]، يعني: ما له من انقطاع ولا انتهاء، وقال تعالى:{مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}[النحل:٩٦]، وقال أيضاً:{وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[الأعلى:١٧].