[تمايز أهل الجنة وأهل النار وتحاورهم]
ثم أشار تعالى إلى امتياز الفريقين في المنازل وتباينهما فيها بقوله سبحانه وتعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُور} أي: لما قال لهم: ((ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً)) أو قالت الملائكة ذلك فضرب بينهم بسور، أي: ضرب بين المؤمنين والمنافقين بحائط متين يحجبهم عن أنوار المؤمنين، ويمنعهم من أن ينتفعوا بالنور الذي يكون مع المؤمنين لتتم ظلمتهم؛ حتى يحجب عنهم النور تماماً، ((لَهُ بَابٌ)): جملة في محل جر صفة لسور، أي: لذلك السور باب لأهل الجنة يدخلون منه، ويرى به المنافقون المؤمنين ليكلموهم، وعندما يدخل المؤمنون لا يستطيع المنافقون أن ينتفعوا بالنور، لكن وهم يمرون يستطيعون أن يحاوروهم من خلال هذا الباب كما سيأتي في المخاطبة والمحاورة بينهم: {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى} [الحديد:١٤].
((بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ)) يعني: الجانب الذي يلي المؤمنين فيه الرحمة، وهو جانب الجنة وما فيها من رضوان الله والنعيم المقيم ((وَظَاهِرُهُ))، وهو الذي يلي المنافقين: ((مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ))، أي: من عندهم العذاب، ومن جهته الظلمة والنار.
((يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ))، يريدون أن يحتموا بلا إله إلا الله كما كانوا يحتمون بها في الدنيا، فقد كانت تحميهم في الدنيا بحيث تجري عليهم أحكام الإسلام حينما يأتون بالشرائع الظاهرة متسترين بمظاهر الإسلام، وأما في الحقيقة فهم كفار مكذبون.
((قَالُوا بَلَى))، رد عليهم المؤمنون بقولهم: بلى، وهذا الحوار كله حصل بعد السور، فمعناه أنهم ما زالوا يكلمونهم، ((وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ))، أي: شحنتموها بالنفاق، وأهلكتموها بأن وضعتموها في الفتنة والبلاء، ((وَتَرَبَّصْتُمْ))، أي: تربصتم بالمؤمنين الدوائر ليظهر الكفر فتظهرون ما في أنفسكم، وكنتم تتمنون أن يكون الخسران للمؤمنين، وأن ينتصر الكفار على المؤمنين.
((وَارْتَبْتُمْ)) أي: في توحيد الله ونبوة نبيه صلى الله عليه وسلم، أو: ارتبتم بالبعث بعد الموت، أو: ارتبتم في قول الله سبحانه وتعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة:٣٣]، ووعده بنصر المؤمنين أو بجميع ذلك من الأشياء المذكورة، سواء التوحيد أو النبوة أو البعث أو وعد الله بنصر دينه على الدين كله.
((وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ))، أي: طول الآمال والطمع في امتداد الأعمار، أو قولهم: {سَيُغْفَرُ لَنَا} [الأعراف:١٦٩].
((حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ))، يعني: الموت أو: حتى جاء مصداق وعده بنصره للنبي صلى الله عليه وسلم وإظهار دينه، أو: حتى جاء أمر الله بعذاب النار.
((وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ))، أي: الشيطان الذي مناكم بالفوز والغلبة.
((فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا))، هذا من تتمة قول المؤمنين للمنافقين بعد أن ميز بينهم، أي: ذلك اليوم لا يقبل منكم ما يفتدى به بدلاً من عذابكم وعوضاً من عقابكم.
((وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا)) الذين جهروا بالكفر من المحادين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
((مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ))، أي: هي أولى بكم، أو: تتولاكم كما توليتم موجباتها في الدنيا.
((وَبِئْسَ الْمَصِيرُ))، أي: النار.