أي: لنرسلن معك الذين أُرسِلْتَ لطلبهم ليعبدوا ربهم تبارك وتعالى، فنلاحظ أن كل مطلب موسى من فرعون أن يسلِّم بني إسرائيل فقط؛ لأن موسى أرسل إلى بني إسرائيل؛ لأن القاعدة أن كل الأنبياء نبي قبل رسول الله عليه السلام كان يبعث إلى قومه خاصة، وأنه عليه الصلاة والسلام اختص من بين سائر الأنبياء بأن بعثه الله عز وجل إلى العالمين كافة.
وهذه الآية تدل على أن قوم فرعون كانوا يقرون بتوحيد الربوبية، وعلى أن فرعون كان كاذباً في إنكار ذلك، فبعض الآيات ظاهرها أن فرعون كان ينكر وجود الله عز وجل، لكن لا يوجد دليل من القرآن الكريم كله، على أن هناك طائفة أنكرت وجود الله، فإنكار وجود الله عز وجل لم يقل به أحد، حتى فرعون الذي قال:{أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}[النازعات:٢٤] والذي قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}[القصص:٣٨] قد قص الله سبحانه وتعالى علينا في آخر سورة الإسراء قصته وفيها: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْألْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا * قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ}[الإسراء:١٠١ - ١٠٢] فموسى يخبر عما في قلب فرعون لأن الله أعلمه بذلك.
((لقد علمتَ)) يعني: يا فرعون! ((مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ))، فإذاً فرعون حتى لو كان قد أعلن أنه ينكر الله سبحانه وتعالى، فقد كذب في هذه الدعوى.
وكذلك قوله تعالى في سورة النمل:{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}[النمل:١٣ - ١٤]، فهذا الكفر الذي كانوا عليه هو عبارة عن جحود، لكن في قلوبهم كانوا يعرفون صدق موسى عليه السلام وأنه مرسل من عند الله عز وجل.
والدليل الثالث: هو هذا الموضع، ونظائره في القرآن الكريم من أنه كان إذا نزل عليهم العذاب من الله سبحانه وتعالى يفزعون إلى موسى:{يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}[الأعراف:١٣٤]، فيطلبون منه أن يشفع لهم عند الله أن يوقف عنهم هذا العذاب.