وقد ذكر القاسمي رحمه الله تعالى بعض التنبيهات فقال: روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية، فمن أقر بهذه الشروط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد بايعتك كلاماً، ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما يبايعهن إلا بقوله: قد بايعتك على ذلك).
قال ابن حجر: أي: لا مصافحة باليد كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة، يعني: أن عادة الرجال عموماً عند المبايعة؛ سواء كانت هذه المبايعة مع الأمير، أو في البيع والشراء، أو عند توثيق العقود للناس، أن يضع أحدهم يده في يد الآخر، فهذه أمارة على التوثيق وشدة الاتفاق الذي يحصل بين الناس، كما يحصل من بعض المأذونين أثناء العقد من جعل الولي والزوج يصافح أحدهما الآخر، ويقول لكل واحد منهما: انظر إليه، فهذا لا بأس به، ولا ينبغي أن نتحرج منه؛ لأنه نوع من التوثيق، وأما وضع المنديل فلا أعلم له أصلاً، ولا أعرف السر في وضعه.
يقول أحد الإخوان هنا: السر في وضع المنديل أنهم كانوا يضعون المهر قل أو كثر في يدهم فيما بينهم، على أنه المهر المسمى بينهم.
وعلى أي الأحوال فلا حرج في ذلك على الإطلاق، بل الأمر بالعكس، فإن هذا مما يزيد التوثيق مع أمارات التأكيد كالنظر إليه، فإذا قلت لك: زوجتك ابنتي، فإنك لا تدري إلى أين تنظر، فربما تنظر إلى الناحية الثانية، أو تكون خجلاً، أو تنظر في الأرض، فيأمر المأذون أن تنظر إلى عينيه، وتضع يدك في يده؛ لأن هذا نوع من توثيق العقود بينهم، وحتى البيعة -وهي من هذه الحالات- تكون بالمصافحة، ولذلك احتاجوا إلى ذكر أن بيعة الرسول عليه السلام للنساء لم تكن بالمصافحة؛ لأن الأصل أن البيعة تكون بالمصافحة.
يقول ابن حجر: أي لا مصافحة باليد كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة، ثم قال: وروى النسائي والطبري: (أن أميمة بنت رقيقة أخبرته أنها دخلت في نسوة تبايع فقلن: يا رسول الله! ابسط يدك نصافحك، فقال: إني لا أصافح النساء، ولكن سآخذ عليكن، فأخذ علينا حتى بلغ:{وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ}[الممتحنة:١٢] فقال: فيما أطقتن واستطعتن، فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا).
وفي رواية الطبري:(ما قولي لمائة امرأة إلا كقولي لامرأة واحدة).
وقد جاء في أخبار أخرى:(أنهن كن يأخذن بيده عند المبايعة من فوق ثوب) وهذا لم يصح.
وجاء كذلك في المغازي لـ ابن إسحاق عن أبان بن صالح:(أنه كان يغمس يده في إناء فيغمسن أيديهن فيه)، وهذا أيضاً ضعيف لم يصح، والمعول على رواية البخاري الأولى؛ لصحتها.