للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم)]

قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} [المائدة:٩٥].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) يعني: وأنتم محرمون بحج أو عمرة (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ) يعني: فعليه جزاء (مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) يعني: شبهه في الخلقة.

وفي قراءة بإضافة جزاء (فجزاء مثلِ ما قتل).

(يَحْكُمُ بِهِ) يعني: هذا المثل يحكم به رجلان (ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) لهما فطنة يميزان بها أشبه الأشياء به.

وقد حكم ابن عباس وعمر وعلي رضي الله عنهم في النعامة ببدنة، وحكم ابن عباس وأبو عبيدة في بقر الوحش وحماره ببقرة، وحكم ابن عمر وابن عوف في الظبي بشاة، وحكم بها ابن عباس وعمر وغيرهما في الحمام؛ لأنه يشبهها في العب، أي: في شرب الماء بلا مص.

وقوله: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) حال من (جزاء)، أي: يبلغ به الحرم فيذبحه فيه ويتصدق به على مساكينه، ولا يجوز أن يذبح حيث كان، ونصبه نعتاً لما قبله فقال: (هدياً بالغ) فـ (بالغ) نعت وإن أضيف؛ لأن إضافته لفظية لا تفيد تعريفاً، فإن لم يكن للصيد مثل من النعم كالعصفور والجراد فعليه قيمته.

(أَوْ كَفَّارَةٌ) أي: أو يكون عليه كفارة غير الجزاء وإن وجد، وهي (طَعَامُ مَسَاكِينَ) يعني: من غالب قوت البلد ما يساوي قيمة الجزاء لكل مسكين مداً، وفي قراءة بإضافة (كفارة) إلى (طعام) حيث قرئت (أو كفارةُ طعامِ مسكين).

(أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ) أو يكون عليه عدل مثل ذلك الطعام (صِيَامًا) يصومه عن كل مد يوماً وإن وجده.

وجب ذلك عليه (لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ) يعني: ثقل جزاء أمره الذي فعله (عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ) من قتل الصيد قبل تحريمه (وَمَنْ عَادَ) إليه (فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ) أي: غالب على أمره (ذُو انتِقَامٍ) أي: ممن عصاه.

وألحق بقتله متعمداً فيما ذكر من لزوم الجزاء الخطأ والغلط والنسيان، وإن كان لا إثم فيها.