للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من خرافات الصوفية في الخضر]

من خرافات الصوفية في الخضر: ما يقوله الحكيم الترمذي، وهو محمد بن علي بن الحسن الترمذي المسمى بـ الحكيم؛ يقول في كتابه (ختم الولاية): وللخضر عليه السلام قصة عجيبة في شأنهم، وقد كان عاين شأنهم في البدء فأحب أن يدركهم فأعطي الحياة حتى بلغ من شأنه أنه يحشر مع هذه الأمة وفي زمرتهم إلى قوله: وهو رجل من قرن إبراهيم الخليل وذي القرنين، وكان على مقدمة جنده، حيث طلب ذو القرنين عين الحياة فأتته وأصابها الخضر في قصة طويلة.

إذاً: خرافات طويلة لا أول لها ولا آخر ولا زمام ولا خطام، خرافات بدون إسناد وبدون دليل.

أيضاً من العلم الذي ينطقون به، علم البث، وعلم الميثاق، وعلم المقادير، وعلم الحروف.

إلى آخر هذا الكلام، فالتقف الصوفية هذه القصة عن الحكيم الترمذي وأضافوا إليها من الخرافات والزيادات ما شاءوا.

يقول رجل اسمه السرهندي: إنه رأى الخضر وإلياس عليهما السلام حضرا عنده في حلقة الدرس، وأما الخضر فقال له: إنهما من عالم الأرواح وإنهما يتشكلان بما شاءا من الصور، وإنه -أي السرهندي هذا- سأل الخضر هل تصلون على المذهب الشافعي؟ فقال الخضر: لسنا مكلفين بالشرائع، ولكن لأن قطب الزمان الشافعي فنحن نصلي وراءه على مذهبه الشافعي.

ويعلق السرهندي يقول: إن كمالات الولاية مختصة بالمذهب الشافعي، وإن كمالات النبوة فهي من اختصاص المذهب الحنفي، ولذلك عندما ينزل عيسى فإنه يصلي ويعمل بالمذهب الحنفي إلى آخر هذه الخرافات.

ذكر أيضاً الخلاف كثيراً في أنه شافعي أو حنفي، إلى أن قال الشيخ: وهؤلاء لاشك أنهم كانوا كذلك حمقى مجانين ذهبت عقولهم ولم ترجع لهم أبداً.

والعجيب أن مثل هذه الخرافات تظل تسري وتجري، فقد زعم الحصفكي الحنفي في مقدمة كتابه الدر المختار: أن الخضر أودع أوراق المذهب الحنفي في نهر جيحون إلى وقت نزول عيسى عليه السلام، أي: وضعه في زجاجة وقفل عليها وألقاها في نهر جيحون، وعندما ينزل عيسى تؤخذ إليه الصحائف ويتعلم منها المذهب الحنفي حتى يحكم به في آخر الزمان، أي: أن الدين سوف يتحول إلى هذه الخرافات وهذه الأساطير التي ليس عليها أثارة من علم.

أيضاً كل ميدان من ميادين الصوفية يدخلون فيه الخضر، فهو صاحب الكشف، ونقيب الأولياء، وآخر العهود، ومرسل الأنام، ومعلم الأفكار.

يقول أحمد بن إدريس: اجتمعت بالنبي عليه الصلاة والسلام اجتماعاً صورياً ومعه الخضر عليه السلام، فأمر النبي عليه السلام الخضر أن يلقنني أذكار الطريقة الشاذلية، فلقنني إياها بحضرته صلى الله عليه وسلم، ثم قال صلى الله عليه وسلم للخضر عليه السلام: يا خضر! لقنه ما كان جامعاً لسائر الأذكار والصلوات والاستغفار.

من ضمن أذكار الشاذلية: اللهم انشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة، وفيها: أن محمداً عليه والسلام هو أصل هذا الوجود، وهو أول مخلوق في هذا الوجود، ومنه انشقت كل الأنوار، وظهرت كل الموجودات.

وهذا مصطلح معروف اسمه: الحقيقة المحمدية.

وهو مصطلح خبيث للصوفية يقصدون به كلاماً في غاية الخطورة.

إذاً خلاصة هذا الكلام: أن خضر الصوفية بما يزعمونه وينسبون إليه ليس هو الخضر الذي نؤمن به، والذي ذكره الله في القرآن، والذي قص علينا النبي صلى الله عليه وسلم قصته، فذاك عبد موحد مؤمن على علم من علم الله بالوحي، عاش ومات لوقته وزمانه، وفعل ما فعل موافقاً للحق والشريعة، أما الخضر الصوفي فهو مصدر للخرافة والجهل والشرك، ولذلك أخبر شيخ الإسلام ابن تيمية: بأن الخضر المزعوم لا حقيقة له، شأنه في ذلك شأن الغوث والقطب الصوفي، ومنتظر الرافضة.

يقول شيخ الإسلام: ثلاثة أشياء ما لها من أصل: باب النصيرية، ومنتظر الرافضة - المهدي المزعوم عند الشيعة- وغوث الجهال.

فإن النصيرية تدعي في الباب الذي لهم ما هو من هذا الجنس، أنه الذي يقيم العالم، فذاك شخصه موجود، ولكن دعوى النصيرية فيه باطل، وأما محمد بن الحسن المنتظر والغوث المقيم بمكة ونحو هذا فإنه باطل ليس له وجود.

وكذلك يزعم بعضهم أن القطب الغوث الجامع يمد أولياء الله ويعرفهم كلهم، ونحو هذا فهو باطل، فـ أبو بكر وعمر وهما أفضل أولياء الله على الإطلاق لم يكونا يعرفان جميع الأولياء ولا يمدانهم، فكيف بهؤلاء الضالين المغترين الكذابين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم إنما عرف الذين لم يكن رآهم من أمته بسيماء الوضوء وهو الغرة والتحجيل، ومن هؤلاء من أولياء الله لا يحصيه إلا الله عز وجل.

وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر:٧٨]، وموسى لم يكن يعرف الخضر، والخضر لم يكن يعرف موسى، بل لما سلم عليه وقال له الخضر: (وأنى بأرضك السلام، فقال له: أنا موسى! قال له: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم)، وقد كان بلغه اسمه وخبره ولم يكن يعرف عينه.

ومن قال: إنه نقيب الأولياء، أو إنه يعلمهم كلهم، فقد قال الباطل، والصواب الذي عليه المحققون: أنه ميت، وأنه لم يدرك الإسلام، ولو كان موجوداً في زمان النبي صلى الله عليه وسلم لوجب عليه أن يؤمن به ويجاهد معه كما أوجب الله ذلك عليه وعلى غيره، إلى آخره.

قال عليه الصلاة والسلام: (كيف تهلك أمة أنا أولها، وعيسى في آخرها)، فإذا كان النبيان الكريمان اللذان هما مع إبراهيم وموسى ونوح أفضل الرسل، ولم يحتجبوا عن هذه الأمة لا عوامهم ولا خواصهم، فكيف يحتجب عنهم من ليس مثلهم؟ وإذا كان الخضر حياً دائماً فكيف لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قط ولا خلفاؤه الراشدون.

وقول القائل: إنه نقيب الأولياء، فيقال له: من ولاه النقابة، وأفضل الأولياء أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام وليس فيهم الخضر؟ وغاية ما يحكى في هذا الباب من الحكايات بعضها كذب، وبعضها مبني على ظن الرجال مثل شخص رأى رجلاً ظن أنه الخضر وقال: إنه الخضر، كما أن الرافضة ترى شخصاً تظن أنه الإمام المنتظر المعصوم أو تدعي ذلك.

وروي عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه قال وقد ذكر له الخضر: من أحالك على غائب فما أنصفك، وقال أحمد: وما ألقى هذا على ألسنة الناس إلا الشيطان.

وهذا الجواب هو خلاصة قضية الخضر وما شابهها: من أحالك على غائب فما أنصفك، وما ألقى هذا على ألسنة الناس إلا الشيطان.