قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، قال: حدثنا عمرو، قال: سمعت عكرمة، عن الزبير في قوله تعالى:(وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن) قال: بنخلة -وهذا اسم للمكان- ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء الآخرة، ويقرأ القرآن، فأمال الله هؤلاء الجن ووجههم كي يحضروا هذه الصلاة.
وقال تعالى:{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}[الجن:١٩] أي: من الزحام، وحرصهم على استماع القرآن.
(لبداً) يعني: بعضهم على بعض، فاللبد يكون طبقات بعضه على بعض.
وروى أحمد والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم، انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، ورجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، وانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها يبتغون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامداً إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم قالوا: يا قومنا {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}[الجن:١ - ٢]، وأنزل الله على نبيه:{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ}[الجن:١] إلى آخر الآية، فمعنى ذلك أن الرسول عليه السلام ما شعر بهم حين استمعوا إليه، وإنما أوحي إليه قول الجن؛ لأن الله تعالى قال:(قل أوحي إلي أنه استمع نفر من آية الجن).
وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
قال الحسن البصري: إنه عليه السلام ما شعر بأمرهم حتى أنزل الله عليه بخبرهم.