المسألة الثالثة: بيان صفات من يستحق أن يكون الحكم له وحده، فنقول: إنه لا حكم إلا لله، وهذا ناشئ عن صفات اختص الله سبحانه وتعالى بها توجب توحيده في الحكم، كما توجب توحيده في العبادة، فعلى كل عاقل أن يتأمل صفات من يستحق أن يكون له الحكم وحده، ويقارنها ويقابلها مع صفات البشر المشرعين للقوانين الوضعية، فينظر هل تنطبق عليهم صفات من له التشريع؟! سبحان الله وتعالى عن ذلك، فإن كانت تنطبق عليهم -ولن تكون- فحينئذ فليتبع تشريعهم، وإن ظهر يقيناً أنهم أحقر وأخس وأذل وأصغر من ذلك فليقف بهم عند حدهم، ولا يجاوزه بهم إلى مقام الربوبية.
فلنتأمل هذه الصفات، فمن اتصف بها فإنه يستحق أن يكون الحكم له وحده، فمن هو المتصف بهذه الصفات من هؤلاء الذين يشرعون من دون الله، ويحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله عز وجل ويضادون الله في خلقه، أين هم من هذه الصفات، هل هم أربابنا الذين خلقونا ورزقونا؟ هل يستحقون أن نتوكل عليهم، وأن ننيب إليهم؟ هل منهم أحد يتصف بأنه فاطر السماوات والأرض؟ أو أنه هو الذي جعل لنا من أنفسنا أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً؟ هل واحد منهم ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير؟ هل فيهم من يدعي أنه له مقاليد السماوات والأرض، وأنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وأنه بكل شيء عليم؟ كذلك قوله تعالى:{قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا}[الكهف:٢٦]، وقال تعالى:{وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[القصص:٨٨].
هل فيهم أحد ينطبق عليه أنه لا إله إلا هو، وأن كل شيء هالك إلا وجهه، وأن له الحكم وإليه نرجع؟ كل هذا لا ينطبق إلا على الله سبحانه وتعالى.
كذلك قال تعالى:{ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ}[غافر:١٢].
هل فيهم أحد يستحق أن يوصف بأنه هو العلي الكبير؟! وقال تعالى:{وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[القصص:٧٠].
ثم ذكر عز وجل أيضاً من صفاته التي يستحق بها أن يكون له الحكم وحده والعبادة له وحده:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[القصص:٧١ - ٧٣]، وقال تعالى:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}[الأنعام:٥٧].
كل هذه الصفات الجليلة لا يوصف بها أي من الكفرة الفجرة المشرعين للنظم الشيطانية، ولا يدعيها أي منهم، فهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً.