[تفسير قوله تعالى: (ن والقلم وما يسطرون)]
هذه سورة (نون) وتسمى (سورة القلم)، وهي سورة مكية، وآيها ثنتان وخمسون آية، وهي السورة الثامنة والستون في ترتيب المصحف.
يقول الله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:١].
(ن) بالسكون على الوقف، فهي ساكنة إذا وقفت، أما إذا وصلت فاختلف القراء، فمنهم من أدغم النون في الواو، وهم أبو بكر والمفضل وهبيرة وورش وابن محيصن وابن عامر والكسائي ويعقوب، والباقون بالإظهار.
و (نون) اسم للحرف المعروف قصد به التحدي، أو هو اسم، والكلام فيه كالكلام على سائر الحروف المقطعة في أوائل السور.
وقد يكون (نون) مفعولاً لفعل تقديره (اذكر) أو مرفوعاً خبراً لمحذوف.
(والقلم) هذا قسم، وهو القلم الذي يخط ويكتب به، (وما يسطرون) (ما) مصدرية أو موصولة.
وللمفسرين أقوال عدة في المراد بهذا القلم: فمن قائل: القلم الذي يكتب به.
ومن قائل: الذي كتب الله سبحانه وتعالى به كل ما هو كائن في اللوح المحفوظ.
قال ابن عباس: هذا قسم بالقلم الذي خلقه الله فأمره فجرى بكتابة جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة.
وعن الوليد بن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: أوصاني أبي عند موته فقال: يا بني! اتق الله، واعلم أنك لن تبلغ العلم حتى تؤمن بالله وحدة والقدر خيره وشره، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب.
فقال: يا رب! وما أكتب؟ فقال: اكتب القدر.
فجرى القلم في تلك الساعة بما كان وما هو كائن إلى الأبد).
وقال قتادة: القلم نعمة من الله تعالى على عباده.
وقد فصل أفضل وأحسن تفصيل عن القلم الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه (التبيان في أقسام القرآن)، وذكر فيه أقوالاً كثيرة جداً، فليرجع إليه.
وللشعراء أيضاً صولات وجولات في المفاضلة بين السيف والقلم أيهما أفضل، ومنها قول الشاعر: إذا أقسم الأبطال يوماً بسيفهم وعدوه مما يكسب المجد والكرم كفى قلم الكتاب عزاً ورفعة مدى الدهر أن الله أقسم بالقلم وقوله: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} يعني: وما يكتبون.
والمقصود الملائكة حين يكتبون أعمال بني آدم، أو المعنى: ما يكتبه الناس ويتفاهمون به ويحصل به البيان.
(ما) موصلة، أو مصدرية: فإذا قلنا إنها موصولة فالمعنى: والذي يسطرون به.
وإذا قلنا إنها مصدرية فالمعنى: والقلم وسطرهم.
ويراد به كل من يسطر، أو المراد به الحفظة، على خلاف بين المفسرين في ذلك.