بعض الناس يسيء استعمال أدب الاستثناء أو يخطئ فيه، مثلاً يسأل عن شيء هو حقيقة مثل: ما اسمك؟ فيقول: إن شاء الله أخوك فلان! وهذا ليس موضعه.
وبعض الناس يستعملونها كشماعة يعلقون عليها التعريض والمراوغة في الكلام، والمعنى الصحيح للاستثناء هو تعليق الأمور المستقبلة بمشيئة الله سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل:{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[الكهف:٢٣ - ٢٤]، فبعض الناس يستعملونها في المراوغة والتعريض واللف والدوران في الكلام كالثعالب، ويعلق ذلك بكلمة: إن شاء الله، وما ينوي بها إلا خداع من يكلمه.
ينبغي استعمال الاستثناء في الموضع اللائق به، فإذا قيل مثلاً: أين ذهبت بالأمس؟ لا تقل: إن شاء الله ذهبت إلى المكان الفلاني، فهذا فعل ماض وقع، فليس للاستثناء هنا موضع، والله جل وعلا ذكر الاستثناء هنا:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ}[الفتح:٢٧]، مع أنه تعالى قال:{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ}[الفتح:٢٧]، تأكيداً لما وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك قال:(إن شاء الله)، فهذا تعليم من الله سبحانه وتعالى، فإنه أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأخبر أنه صدقه في هذه الرؤيا، وأقسم أنهم لابد داخلون في المستقبل؛ ومع ذلك يقول الله تعالى:(إن شاء الله)، وإذا كان الله قال ذلك فنحن أولى أن نتعلم هذا الأدب، وأن نعلق العمل بالمشيئة.
أيضاً قال:(إن شاء الله) للإشعار بأن بعضهم لا يدخل، ربما بعضهم يكون قد مات حينما يأتي موعد تحقيق هذا الوعد، أو يتخلف لعذر من الأعذار أو غير ذلك، فليس كل المؤمنين الحاضرين في الحديبية سوف يدخلون.
إذاً: إما إنها لتعليم العباد، أو للإشعار بأن بعضهم لا يدخل، فهو في معنى: لتدخلنه من شاء الله دخوله منكم، أو أنه حكاية لما قاله له الملك الذي أراه الرؤيا في المنام، فقال له نفس العبارة:(لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) أو حكاية لما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه؛ لأنهم لما يكونوا قد دخلوا بعد، فلما حكى لهم الرؤيا قال لهم: إن شاء الله.