[تفسير قوله تعالى: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه)]
{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:١٧٩].
لقد أشار الله تبارك وتعالى إلى بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أحد: وهي أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، فإن المسلمين لما أظهرهم الله على أعدائهم يوم بدر وصار لهم الصيت، دخل معهم في الإسلام ظاهراً من ليس معهم فيه باطناً، فاقتضت حكمة الله عز وجل أن سبب لعباده محنة ميزت بين المؤمن والمنافق، فأظهر المنافقون في هذه الغزوة ما كانوا يكتمونه، وظهر ما كانوا يسترونه ويخفونه، وانقسم الناس إلى كافر ومؤمن ومنافق انقساماً ظاهراً، وعرف المؤمنون أن لهم عدواً بين أظهرهم وهم معهم لا يفارقونهم فاستعدوا لهم وتحرجوا منهم، ولذلك قال تبارك وتعالى هاهنا: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:١٧٩].
(ما كان الله ليذر) أي: ليترك (المؤمنين).
(على ما أنتم عليه) من الاختلاط بالمنافقين وعدم التباين، بل لا يزال يبتليكم (حتى يميز الخبيث من الطيب) ولا يميز إلا بهذا الابتلاء؛ لأنه (ما كان الله ليطلعكم على الغيب).
هناك طريقتان لمعرفة الطيب من الخبيث: الأولى: بالاطلاع على الغيب ومعرفة الغيب، وهذا لا يكون، نحن لا نستطيع أن نطلع على الغيب.
الثانية: وهي أن يقع الامتحان والفتنة والابتلاء فيمتاز الناس فيظهر أولياء الله من أعدائه.
(وما كان الله ليطلعكم على الغيب) يعني: هذا الطريق ليس متاحاً لكم؛ لتعرفوا الطيب من الخبيث؛ لكن تأتي المحن والابتلاءات فيمتاز المؤمن من المنافق كما جاء في حديث: (فتنة الدهيماء)، إنها فتنة حرب وهرج، وجاء في آخر الحديث: (أن الفتنة تشتد حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه).
يقول السيوطي: (ما كان الله ليذر) أي: (ليترك المؤمنين).
(على ما أنتم) أيها الناس عليه من اختلاط المخلص بغيره (حتى يميز) بالتخفيف والتشديد قراءتان، يعني: يفصل.
(الخبيث) أي: المنافق.
(من الطيب) أي: المؤمن بالتكاليف الشاقة المبينة لذلك، ففعل ذلك يوم أحد.
(وما كان الله ليطلعكم على الغيب) فتعرفوا المنافق من غيره قبل التمييز.
(ولكن الله يجتبي) أي: يختار.
(من رسله من يشاء) فيطلعه على الغيب كما أطلع النبي صلى الله عليه وسلم على حال المنافقين.
(فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا) النفاق.
(فلكم أجر عظيم).