للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (صم بكم عمي فهم لا يرجعون)]

يقول تبارك وتعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [البقرة:١٨].

(صم) يعني: هم صم عن الحق، فلا يسمعونه سماع قبول.

قوله: (بكم) أي: خرس عن الخير فلا يقولونه.

قوله: (عمي) أي: عن طريق الهدى فلا يرونه.

قوله: ((فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ)) يعني: عن الضلالة.

فهذه إشارة إلى أن هؤلاء المنافقين قد سُدت عليهم سُبُل الهداية كلها، وهي: سمع، وبصر، وعقل، فهم صم عن الحق فلا يسمعونه سماع قبول، وإذا سمعوه فكما تسمع الأنعام كما قال الله عنهم: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [البقرة:١٧١]، قوله: ((كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ)) يعني: يرفع صوته وينادي البهائم أو العجماوات.

قوله: (بما لا يسمع) أي: لا يسمع الدعاء والنداء، كالحيوان من البقر والقرود وغيرها من العجماوات، إذا ناديت سمع صوتك، لكن لا يفهم الكلام، فهذا الكافر لو تلوت عليه المعلقات السبع يفهمها ويعرف معانيها، لكن لا يفهمون ما ينفعهم! وهذا الكلام حقيقي يجب استحضاره حين نتكلم وليس مجازاً، فهؤلاء على قلوبهم أقفالٌ كما قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤] فالقلب له قفل والعياذ بالله، وضع الله سبحانه وتعالى على قلوب المنافقين أقفالاً، فلا يخرج الكفر والنفاق منها ولا يدخل الإيمان فيها، لا يسمح بالخروج ولا بالدخول، فداخلها -والعياذ بالله- هذا النفاق.