قوله تعالى:(والمستغفرين بالأسحار) أي: أن الله سبحانه وتعالى وصفهم بهذه الطاعات، ومع هذه الطاعات الصبر والصدق والقنوت والإنفاق في سبيل الله، وختمها بالاستغفار في الأسحار؛ وفي هذا إشارة إلى أنهم شديد والخوف من ربهم، مع أنهم يأتون بهذه الطاعات، كما قال عز وجل:{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}[المؤمنون:٦٠]، ليس معنى الآية:(يؤتون ما آتوا) أي: يؤتون ما آتوا من الطاعات من صدقة وصلاة وصيام وغير ذلك ثم هم مع ذلك يخافون أن لا يتقبل الله سبحانه وتعالى منهم، فلذلك وصفهم مع الطاعات بشدة الخوف الذي يدفعهم إلى أن يستغفروا.
(والأسحار) جمع سَحَر أو سَحْر، وهي الوقت الذي قبيل طلوع الفجر، وتسحر إذا أكل في ذلك الوقت، قال الحرالي: ويفهم من هذا أنهم يتهجدون في الليل كما قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الذاريات:١٧ - ١٨].
وقال الرازي: اعلم أن المراد منه من يصلي بالليل، ثم يتبعه بالاستغفار والدعاء.
أي: من يكون له ورد من قيام الليل ثم يكون له في النهاية ورد الاستغفار.
يقول: لأن الإنسان لا يشتغل بالدعاء والاستغفار إلا أن يكون قد صلى قبل ذلك.
وقد روى ابن أبي حاتم:(أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يصلي من الليل، ثم يقول: يا نافع هل جاء السحر؟ فإذا قال: نعم، أقبل على الدعاء والاستغفار حتى يصبح).
وروى ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:(كنا نؤمر إذا صلينا من الليل أن نستغفر في آخر السحر سبعين مرة).
وروى ابن جرير عن حاطب قال:(سمعت رجلاً في السحر في ناحية المسجد وهو يقول: يا رب أمرتني فأطعتك، وهذا السحر فاغفر لي، فنظرت فإذا هو ابن مسعود رضي الله تعالى عنه).