وبجانب إفادة الآية تقرير التحذير في تلقي الأخبار وتأكيده، فإنها من جهة أخرى تفيد مدح المؤمنين قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) أي: فأنتم أيها المؤمنون لستم ممن إذا فعلوا سيئة لا يلتفتون إليها، بل تصبحون نادمين عليها، صحيح أن المؤمن غير معصوم ولا منزه عن الخطأ، لكن شأن المؤمن أنه إذا ذُكِّر ذَكَر، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(إن المؤمن خلق مُفَتَّناً تواباً نسياً، إذا ذُكِّر ذكر) أي: انتفع بالتذكرة واستفاد منها، كما قال تعالى:{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}[الأعلى:٩]، وبين في الآية الأخرى من الذين ينتفعون بالذكرى في قوله عز وجل:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات:٥٥].
ولم يمدح الله سبحانه وتعالى المؤمنين بأنهم لا يفعلون سيئة، وإنما قال:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران:١٣٥]، ولذلك جاء في الحديث الصحيح:(ويل لأقماع القوم الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون) شبههم بالأقماع؛ لأن القمع إذا أدخلت فيه سائلاً من أعلاه ينساب من أسفله فلا يستقر فيه، كذلك هذا تأتيه التذكرة وتنفذ إلى أذنه لكنها لا تستقر، بل تخرج من الأذن الأخرى، أو لا تدخل أصلاً.
هؤلاء هم أقماع القوم، بخلاف المؤمن، فالمؤمن إذا فعل سيئة ليس هو ممن لا يبالي بها، كما جاء في الأثر: أن المؤمن يرى ذنبه كأنه جبل واقع على رأسه من الهم والحزن، (أما المنافق فيرى الذنب كأنه ذباب وقع على أنفه فقال به هكذا).
فالمؤمن يدرك عظمة الله سبحانه وتعالى الذي خالف أمره، فيرى ذنبه كأنه جبل على رأسه يحمله، وهذا ما نفهمه من معنى قوله تعالى:((فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ))؛ لأن المؤمن إذا وقع في هذا المحظور المنهي عنه وهو ظلم الناس أو أذية الناس بسبب تناقل الأخبار يندم على ذلك، وليس كالمنافق الذي لا يبالي ويقول: وماذا علي؟ فكان ماذا؟ أما المؤمن فإذا حصل منه ذلك فإنه يشفق على ما فعل نادماً، وهذا من أركان التوبة، بل هو أهم أركانها، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:(الندم توبة!).