[الشر لا ينسب إلى الله]
قال الله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} [الفتح:٢] فأضاف الذنب إليه، وقال في سورة الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:٦ - ٧] الخطاب لله تعالى، فأضاف الإنعام إلى الله لأنه خير، أما الغضب والضلال فأتى منسوباً إلى من قام به، أو أتي به مبنياً لاسم المفعول: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٧].
ومن ذلك أيضاً قوله عليه السلام: (والخير في يديك، والشر ليس إليك)، وقالت الملائكة: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:٣٠] يعني نقدسك وننزهك عما لا يليق بك.
كذلك الله سبحانه وتعالى من أسمائه (السلام)، يعني: الذي سلم من العيوب والنقائص، وأيضاً الذي يسلم خلقه من ظلمه لهم؛ لأنه منزه عن الظلم، وأيضاً سلامته سبحانه من إرادة الظلم والشر، ومن التسمية به، ومن فعله، ومن نسبته إليه، فالله عز وجل سالم من كل ذلك، لذلك من أسمائه السلام عز وجل.
وقال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:١ - ٢] فأضاف الشر إلى المخلوقات، يعني: شر الذي خلق أو من شر المخلوقات، فالشر لا ينسب إلى الله سبحانه وتعالى.
وقالت الجن: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ} [الجن:١٠] ذكروا الشر مبنياً للمجهول: {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:١٠] فالرشد والخير نسب إلى الله.
وقال إبراهيم عليه السلام: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي} [الشعراء:٧٧ - ٧٨] انظروا نسبته إلى الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} [الشعراء:٧٨ - ٧٩]، ثم قال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:٨٠] فالمرض لأنه شر أضافه إلى نفسه فقال: ((وإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)) عز وجل، ثم قال: {وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء:٨١]، ثم قال: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:٨٢] فنسب الخطيئة والشر إلى نفسه.
وقال الخضر: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف:٧٩]؛ لأن كونه يخلع لوحاً من السفينة هذا فيه نوع من الشر والإفساد، لذلك أدباً مع الله سبحانه وتعالى نسبها إلى نفسه مع أنه قال: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:٨٢]، فقد كان بوحي، لكن انظر إلى الدقة في العبارة! قال في السفينة: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف:٧٩]، كذلك في الغلام الذي قتله قال: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف:٨١]، أما في الجدار الذي أراد أن يميل فقام في إصلاحه لميل الجدار حتى يظل الكنز مدفوناً ومحفوظاً للغلامين اليتيمين فقال: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف:٨٢]، ثم قال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ} [الكهف:٨٢]؛ لأن فيه إصلاحاً وخيراً: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف:٨٢].
من ذلك أيضاً قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات:٧] لكن في الشيء غير المحبوب قال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} [آل عمران:١٤].
ونستطيع أن نستنبط من هذا قاعدة وهي: أن إيتاء الكتاب أو إيراث الكتاب إذا أتى منسوباً إلى الله فهو سياق مدح لمن آتاهم الله الكتاب، وإذا أتى بصيغة اسم المفعول أو المبني للمجهول فهو في سياق ذم، كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} [البقرة:١٢١] هذا مدح لمن آتاهم الله الكتاب، والآية غالباً تتكلم عن أناس صالحين {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} [البقرة:١٢١]، لكن قوله: {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البقرة:١٠١]، أو {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [الشورى:١٤]؛ نسبت إلى المجهول فهي سياق ذم.
إذاً: لا ينسب الشر إلى الله سبحانه وتعالى، هذا ما تيسر في تفسير قوله تبارك وتعالى: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} [يوسف:٦].