[سبب نزول هذه الآية أن أهل الجاهلية كانوا يطوفون بالبيت عراة]
روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كانت المرأة تطوف في البيت وهي عريانة، فتقول: من يعيرني تطوافاً تجعله على فرجها) والتطواف هو: ثوب تلبسه المرأة تطوف به.
وكانوا في الجاهلية يطوفون عراة ويرمون ثيابهم ويتركونها ملقاة على الأرض، ولا يأخذونها أبداً، بل يتركونها تداس بالأرجل حتى تبلى، ويسمى: اللقاء، حتى جاء الإسلام، فأمر الله سبحانه وتعالى بستر العورة فقال تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:٣١]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يطوف بالبيت عريان).
فالمقصود هنا: ستر العورات إبطالاً لما كان عليه الجاهليون من الطواف عراة.
يقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كانوا يطوفون بالبيت عراة، الرجال بالنهار والنساء بالليل، وكانت المرأة تقول: (اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فلا أحله) فنزلت هذه الآية الكريمة: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:٣١].
وفي رواية أخرى عن ابن عباس: فأمرهم الله تعالى أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعروا.
وروى العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً في هذه الآية قال: كان رجال يطوفون في البيت عراة فأمرهم الله بالزينة، والزينة: اللباس، وهو ما يواري السوءة، وما سوى ذلك من زينة البز والمتاع، فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد.
وأخرج أبو الشيخ عن طاوس قال: أمروا بلبس الثياب.
وأخرج من وجه آخر عنه قال: الشملة من الزينة.
وقال مجاهد: كان حي من أهل اليمن إذا قدم أحدهم حاجاً أو معتمراً يقول: لا ينبغي لي أن أطوف في ثوب قد عصيت فيه، فكان يقول الواحد منهم: من يعيرني مئزراً، فإن قدر عليه وإلا طاف عرياناً، فأنزل الله تعالى فيه ما تسمعون: ((خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا)).
وقال الزهري: إن العرب كانت تطوف بالبيت عراة إلا الحمس، والحمس هم: قريش وأحلافهم، فمن جاء من غير الحمس وضع ثيابه وطاف في ثوب أحمسي، ويرى أنه لا يحل له أن يلبس ثيابه، فإن لم يجد من يعيره من الحمس فإنه يلقي ثيابه ويطوف عرياناً، وإن طاف في ثياب نفسه ألقاها، يعني: إذا قضى طوافه جعلها حراماً عليه؛ فلذلك قال تعالى: ((خذوا زينتكم عند كل مسجد)) والمراد من الزينة: لبس الثياب التي تستر العورة.
قال مجاهد: ما يواري عوراتكم ولو عباءة.
وقال ابن كثير: هكذا قال مجاهد وعطاء وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وقتادة والسدي والضحاك ومالك عن الزهري، وغير واحد من أئمة السلف في تفسيرها، إنها نزلت في طواف المشركين بالبيت عراة.
انتهى كلام ابن كثير.
يقول القاسمي: فظهر أن المراد بالزينة ما يستر العورة؛ لأنه اللازم المأمور به الذي بينه سبب النزول، دون لباس التجمل المتبادر منه.
وذلك أن أول ما يتبادر للذهن من كلمة (زينة) أن الزينة تعني الرياش أو الأشياء التي يتجمل بها الإنسان وهي من قبيل الكماليات أو التحسينيات؛ لكن إذا رجعنا إلى سبب النزول، نعرف أن هذا ليس هو المقصود، وإنما المقصود بصفة أصيلة ما يواري العورات؛ لأن المستفاد من قوله: (خذوا) هو وجوب الأخذ، فهو أمر، وظاهر الأمر الوجوب، فالذي يجب أن يلبسه الإنسان هو ما يستر به العورة.
ولباس التجمل مستحب وليس واجباً، قاله الشهاب.