((أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا)) هذا تقرير للتعجب وتأكيد للإنكار، يعنون: حين نموت ونصير تراباً نرجع كما نطق به النذير والمنذر به، مع كمال التباين والفرق بين الموت والحياة؟ ومع ذلك قالوا:((أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا)) أي: سنبعث وننشر ونعود إلى الحياة؟! ثم قالوا:((ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ)) أي: عن الأوهام أو العادة أو الإمكان.
قوله:((قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ)) أي: ما تأكل من أجساهم بعد مماتهم.
والله سبحانه وتعالى لا يغيب عن علمه شيء، ومما لا يغيب عن علم الله سبحانه وتعالى أنه حتى أجزاء وذرات جثثهم التي تبلى وتفنى يعلمها أين تذهب وأين مصيرها.
فقوله:((قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ)) هذا رد لاستبعادهم البعث والنشور، فإن من عم علمه ولطف حتى انتهى إلى حيث علم ما تنقص الأرض من أجساد الموتى، وتأكل من لحومهم وعظامهم، كيف يستبعد أن يرجعهم أحياء كما كانوا! وقيل قوله:((قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ)) يعني: ما يموت فيدفن في الأرض منهم.
((وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ)) أي: حافظ لتفاصيل الأشياء كلها، فالإشارة هنا إلى اللوح المحفوظ.
فـ (حفيظ) بمعنى محفوظ من التغير، فإن المراد تمثيل علم الله سبحانه وتعالى بكليات الأشياء وجزئياتها بعلم من كان عنده كتاب محيط يتلقى منه كل شيء، أو تأكيد لعلمه تعالى بها لثبوتها في اللوح المحفوظ عنده.