قال تعالى:{قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي}[طه:٢٥ - ٢٨]، إنما سأل ذلك لما كان يتخوفه من آل فرعون في القتيل؛ لأنه كما قال في السورة الأخرى:{وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ}[الشعراء:١٤]، لما قتل بطريق الخطأ وعدم القصد ذلك الرجل القبطي الذي استغاثه عليه الرجل من شيعته:{فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}[القصص:١٥]، فسأل الله سبحانه وتعالى هذه الأمور؛ لأنه كان يتخوف من آل فرعون في شأن هذا القتيل، ولأن الذي بُعث إليه هو فرعون الذي يعرف أنه جبار عنيد، وأقوى الملوك وأبلغهم تمرداً وكفراً، فهذا مما لا شك فيه أن صاحب مثل هذه المهمة الخطيرة يحتاج إلى عناية ربانية؛ فلذلك التجأ موسى عليه السلام إلى سلاح الدعاء، سائلاً الله سبحانه وتعالى هذه الأمور:{قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي}[طه:٢٥ - ٢٨]، سأله أن يمده بمنطق فصيح؛ لما في لسانه من عقدة كانت تمنعه من كثير من الكلام، كما قال:{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا}[القصص:٣٤]، وقول فرعون:{وَلا يَكَادُ يُبِينُ}[الزخرف:٥٢].
ثم سأل عليه السلام ربه أن يعينه بأخيه هارون ليكون له ردءاً، ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه، وذلك بقوله:{وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي}[طه:٢٩ - ٣٠].
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى:{وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي}[طه:٢٧ - ٢٨]، قال بعض العلماء: دل قوله: (عقدة من لساني)، عقدة بالتنكير والإفراد، ثم أتبع ذلك بقوله:(يفقهوا قولي)، هذا يدل على أنه لم يسأل إزالة جميع ما بلسانه من العقد، بل سأل إزالة بعضها الذي يحصل بإزالته فهم كلامه مع بقاء بعضها، فهذا المفهوم دلت عليه آيات أخر، كقوله تعالى عنه:{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا}[القصص:٣٤]، وقوله تعالى عن فرعون:{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ}[الزخرف:٥٢]، والاستدلال بقول فرعون في موسى فيه نظر، فإن فرعون معروف بالكذب والبهتان، والعلم عند الله تعالى.
ثم قال موسى عليه السلام:{وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي}[طه:٢٩ - ٣١] أي: قو به ظهري، {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا}[طه:٢٩ - ٣٤] أي: كي نتعاون على تسبيحك وذكرك؛ لأن التعاون مهيج للرغبات، ويتزايد الخير ويتكاثر، ولا شك أن التعاون والاجتماع على الطاعة مما يشد أزر الإنسان، ويقوي نيته للعمل الصالح.
{إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا}[طه:٣٥] أي: عالماً بأحوالنا، وبأن المدعو به مما يفيدنا.
ودائماً الجماعة تشعر وتدرك بركتها خاصة في أعمال الطاعات والعبادات، كما يحصل في صيام رمضان؛ لأن الناس كلهم يتعاونون على إظهار ذكر الله سبحانه وتعالى، وهكذا أي شيء يعمل جماعة، فإن الجماعة تكون فيها البركة.