للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية]

قوله: (إلا أعطيتهم إياها) يعني: إلا أجبتهم إليها.

(ثم زجرها فوثبت) يعني: زجر الرسول عليه الصلاة والسلام الناقة (فوثبت) يعني: قامت، (فعدل عنهم) وفي رواية ابن سعد (فولى راجعاً) وفي رواية ابن إسحاق (فقال للناس: انزلوا، قالوا: يا رسول الله! ما بالوادي من ماء ننزل عليه)؛ لأن المشركين كانوا قد سبقوا إلى المياه دون المسلمين.

قوله: (فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل من الماء يتبرضه الناس تبرضاً) (على ثمد) أي: حفيرة فيها ماء مثمود أي: ماء قليل، وقد قيل: إن الثمد في لغة بعض العرب: الماء الكثير، فأضاف قوله: على (ثمد قليل الماء) ليدفع توهم لغة من يقول: إن الثمد هو الماء الكثير.

(يتبرضه الناس تبرضاً) التبرض: الأخذ قليلاً قليلاً، والبرض اليسير من العطاء، وقيل: هو جمع الماء بالكفين، يعني: من قلة الماء يجمعونه بالكفين.

وذكر أبو الأسود عن عروة قال: (وسبقت قريش إلى الماء، فنزلوا عليه، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية في حر كبير وليس بها إلا بئر واحدة).

يقول: (فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل من الماء يتبرضه الناس تبرضاً، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه) يعني: لم يتركوه يلبث أي: يقيم، فانتهى هذا الماء بسرعة؛ لأن العدد كبير والماء قليل فنزحوه.

(وشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش؛ فانتزع سهماً من كنانته) يعني: أخرج سهماً من جعبته.

(ثم أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يجعلوه فيه) أي: يضعوه في هذه البئر.

(فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه) فسال الماء في هذا البئر، وعظم جداً، وظل يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه.

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: في قصة الحديبية في حديث البراء بن عازب في البخاري أيضاً: (أنه عليه السلام جلس على البئر ثم دعا بإناء فمضمض، ودعا الله، ثم صبه فيها، ثم قال: دعوها ساعة، ثم إنهم ارتووا بعد ذلك)، فيمكن أن يكون الأمران وقعا معاً، وروى الواقدي من طريق أوس: (أنه صلى الله عليه وسلم توضأ في الدلو، ثم أفرغه فيها، وانتزع السهم ووضعه فيها)، وفي رواية أخرى: (أنه تمضمض في دلو وصبه في البئر، ونزع سهماً من كنانته فألقاه فيها ودعا الله)، وفي حديث جابر: (عطش الناس بالحديبية وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوة، فتوضأ منها فوضع يده فيها، فجعل الماء يفور من بين أصابعه)، وكأن ذلك كان قبل قصة البئر.

والله تعالى أعلم.

وفي هذا اللفظ معجزات ظاهرة، وهذه بلا شك من آيات النبوة، وقد تواتر فوران الماء من أصابع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أكثر من مناسبة.

أيضاً في هذا الحديث بركة سلاحه وما ينسب إليه صلى الله عليه وسلم.

قوله (يجيش) أي: يفور، (بالرِي أو بالرَي حتى صدروا عنه) أي: رجعوا رواء بعد وردهم يعنى: لما وردوا الماء رجعوا عنه بعدما ارتووا وذهب عطشهم، وزاد ابن كعب: (حتى غرفوا بآنيتهم جلوساً على شفير البئر) أي: كانوا يجلسون على شفير البئر، واغترفوا بالآنية من شدة ارتفاع الماء، ولم يكن الماء في قاع البئر كما كان في الأول، وإنما ارتفع الماء جداً، فجلسوا على شفير البئر بالآنية يأخذون المياه من سطحها.