[شبهة مدح اليهود والنصارى بما عندهم من صفات حميدة]
وهنا شبهة قد يذكرها بعض الناس، فيقول مثلاً: على المؤمنين من المسلمين والنصارى واليهود أن يجتمعوا ويتكتلوا؛ لمواجهة الملحدين مثلاً، وهذا يشيع للأسف الشديد على ألسنة عمائم كبيرة جداً ضخمة، فيقولون مثل هذا الكلام، وخاصة في مؤتمرات التقارب بين الأديان، فيستعملون مثل هذه العبارة الفظيعة، فيدخلون هؤلاء في وصف الإيمان، وبعضهم مثلاً يصف الكافر الفلاني بأنه مؤمن، ويعني: بأنه يؤمن بأن هناك إلهاً -الإيمان بتوحيد الربوبية-، فبعض الناس الجهلة يسمى هذا إيماناً، على هذا فـ أبو جهل كان مؤمناً، وأبو لهب كان مؤمناً، وكفار قريش كانوا مؤمنين، لأنهم كانوا مؤمنين بتوحيد الربوبية بنص القرآن قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:٨٧] فهؤلاء يجعلون أن الكافر هو الذي ينكر وجود الله، وهذا ليس بصحيح، بل عامة الكفرة حتى فرعون كانوا يؤمنون بأن هناك إلهاً، والدليل على هذا صريح في القرآن كما ذكرنا مراراً، بل لم يحك في القرآن عن طائفة أنها أنكرت وجود الله، بل حتى الدهرية لم ينكروا وجود الله، وإنما أنكروا البعث والنشور.
فوصف اليهود أو النصارى بأنهم مؤمنون؛ لأنهم يؤمنون بالله يعتبر هدماً للإسلام من أساسه؛ لأن هذا يضيع الحد الفاصل بين الكفر وبين الإيمان، فالدلالة واضحة من الآيات في القرآن الكريم والسنة على ذلك، قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:٧٣]، {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:٧٢]، وكذلك تكفير القرآن الكريم لليهود وأمثالهم.
وقد يشتبه هذا الأمر على بعض الناس خاصة إذا فتنوا بما عليه الكفار من بعض السلوكيات التي ضيعها بعض المسلمين للأسف، وهذا يحصل لكثير من الناس الذين يخالطونهم ويعاشرونهم، فيطلق بعضهم لسانه في ذم المسلمين، ويطلق لسانه أيضاً في مدح الكفار قائلاً: وهؤلاء عندهم عدل! هؤلاء عندهم إنصاف!! حتى أن بعض الملوثين الذين ذهبوا إلى عصابة اليهود في فلسطين المغتصبة يرجع ويتكلم بهذا الكلام كما نشر في بعض الجرائد، ويقول: إن اليهود لم يمسوا حقي، ولم يتعرضوا لي إلى آخر هذا الكلام.
وبغض النظر عن السر وراء هذه السلوكيات الموجودة عند الكفار خاصة في أوروبا أو أمريكا أو البلاد الغربية، وأنها سلوكيات تجارية في الحقيقة ليست مبنية على مراقبة الله, وفي نفس الوقت يريدون أن يتعاونوا ويريح كل واحد الآخر؛ حتى يستطيع أن يتمتع بالحياة بصورة مستوفاة جيدة، لكن انظر إلى أخلاقهم حينما يأتون إلى بلادنا فكم عذبوا، وكم أحرقوا، وكم قتلوا، وكم نهبوا! وإلى اليوم ونحن نراهم في البوسنة والهرسك على نفس الأخلاق، وتراهم الآن في العراق وفي غيرها وحوشاً كاسرة يدمون قلوب الشعوب، ويستذلونهم استذلالاً لا مثيل له، وليست هذه الآن قضيتنا، لكن كيف نزن الأمور؟ فبعض الناس يقول لك: أنا أشتري من الكافر هذا؛ لأنه أمين، ولأنه كذا وكذا، ويفتن بالكافر ويطلق لسانه في ذم المسلم، فهذا خلل شديد جداً في فهم مثل هذا الإنسان؛ فالمشركون قد يتلبسون ببعض شعب الإيمان، والمسلم قد يأتي ببعض شعب الكفر، أي: أنه من الممكن أن نجد مثلاً بعض الكفار أميناً، وصادقاً، يحترم مواعيده إلى آخره، ومن الممكن أن نجد مسلماً يفعل عكس ذلك، فقد يتلبس المسلم ببعض شعب الكفر لكنه يبقى مسلماً، وقد يتلبس الكافر ببعض شعب الإيمان لكنه يبقى كافراً، فالكفر والإيمان متقابلان، فإذا زال أحدهما خلفه الآخر، والإيمان أصل له شعب متعددة، وأعلى شعبة من شعب الإيمان هي: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، ثم بينهما شعب متفاوتة في أهميتها وخطورتها، وهناك بعض الشعب إذا زالت زال الإيمان بالكلية، فمن شعب الإيمان ما يزول بزوالها الإيمان بالكلية، كشعبة لا إله إلا الله، فمثلاً شخص عنده شعب كثيرة من شعب الإيمان، لكن شعبة: لا إله إلا الله ليست موجودة عنده، فكل الذي يعمله حابط في الآخرة ولا ينفعه؛ لأن هذه الشعب بينها علاقة الشرط بالمشروط، فتكون شرطاً في صحة باقي الشعب، ومن شعب الإيمان ما لا يزول الإيمان بزوالها، وبينهما شعب متفاوتة تفاوتاً عظيماً، منها ما يلحق بشعبة الشهادة ويكون إليها أقرب.
وكذلك الكفر أصل له شعب، والمعاصي كلها من شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان، ولا يلزم من قيام شعبة من شعب الإيمان بالعبد أن يسمى مؤمناً، وإن كان ما قام به إيماناً، ولا من قيام شعبة من شعب الكفر بالعبد أن يسمى كافراً، وإن كان ما قام به كفراً، كما أنه لا يلزم من قيام جزء من أجزاء العلم به أن يسمى عالماً، ولا من معرفة بعض مسائل الفقه أو الطب أن يسمى فقيهاً وطبيباً، إذ لا يلزم الاسم إلا بغلبة ذلك عليه، وإذا كان مع العبد أصل التوحيد والإيمان وترك شعبة من شعب الإيمان فهذا الإيمان ينفعه في عدم الخلود في النار، لكن هل ينفعه في عدم دخول النار؟! لا، فقد يسلم، وقد يدخل النار لكن لا يخلد فيها، إذاً: فالتوحيد ينجي من الخلود في النار لا من دخول النار، وأوضح ذلك حديث الشفاعة، فالشفاعة تكون في أهل الكبائر من أمة النبي عليه الصلاة والسلام.
فإذا كان مع العبد أصل التوحيد والإيمان وترك شعبة من الإيمان فذلك الإيمان ينفقه، لكن لا نقول ينفعه في عدم دخول النار، ولكن في عدم الخلود في النار، إلا إذا كان الفعل المتروك شرطاً في صحة شعب الإيمان الأخرى، فإذا كان المتروك شرطاً في اعتبار الباقي لم ينفعه، ولهذا لم ينفع الإيمان بالله ووحدانيته وأنه لا إله إلا هو من أنكر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، مع أنه قد قال: لا إله إلا الله، لكن لم يشهد أن محمداً رسول الله، فلا ينفعه ذلك.
لذلك إذا قلنا: إن أعلاها لا إله إلا الله فنضيف معها: وأن محمداً رسول الله، ولا تنفع الصلاة من صلاها عمداً بغير وضوء؛ لأن هناك شعبة قبل شعبة الصلاة هي شرط في صحة الصلاة، وهي شعبة الطهارة والوضوء، فشعبة الطهارة شرط في شعبة الصلاة، فمن صلى دون أن يأتي بهذا الشرط بطل يبطل هذا المشروط.
إذاً: شعب الإيمان قد يتعلق بعضها ببعض تعلق الشرط بمشروطه.
وكذلك كلمة: لا إله إلا الله محمد رسول الله شرط في صحة باقي شعب الإيمان، فمن الجور والجهل والعدوان أن يفضل الكافر الذي افتقد شعبة لا إله إلا الله على المؤمن العاصي الذي معه لا إله إلا الله، فمن جهل الشخص أن يمدح النصراني؛ لأن كل همه هي الدنيا، فما دام أنه يُعطيه الفلوس ويُريحه في البيع والشراء فإنه يمدحه، ويطلق لسانه بالقصائد في مدح الكفار وذم المسلمين، فقد ترك حق الله ونظر في حق نفسه، فيقول: هؤلاء الكفار عندما أذهب إليهم يعاملوني معاملة فيها عدل، وإنما الظلم موجود عند المسلمين إلى آخره، فيقال له: فهم ليس عندهم أحياناً الظلم الموجود عند المسلمين؟! بل عندهم أكبر وأفظع ظلم في الوجود وهو الشرك، قال تعالى: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣]، فقد نسي حق الله وبحث عن حق دنياه، فهذا مما نحتاج فيه إلى أن نستعيد الوعي بهويتنا وعقيدتنا وبما أعزنا الله به وشرفنا على العالمين قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠]، فبعض الناس يتعامل مع هؤلاء الكفار على أنهم أناس فوق العالم، فيعظمهم ويبجلهم ويحترمهم أشد الاحترام.