للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وإذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم)]

يقول الله سبحانه وتعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال:١٢].

((إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ)) أي: يوحي الله إلى الملائكة ويخبرهم أن الله مع المؤمنين، ويحتمل أن معنى قوله: ((أَنِّي مَعَكُمْ)) أنه مع الملائكة إذ أرسلهم ردءاً للمسلمين، فكأنه قيل: أوحى الله إلى الملائكة أني مع المؤمنين، فانصروهم وثبتوهم، وكونوا أنتم معهم أيضاً.

((فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) أي: ثبتوا الذين آمنوا بدفع الوسواس، وبالقتال معهم، والحضور مدداً وعوناً.

((سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ)) أي: الخوف، ولا شك أن هذا مظهر من مظاهر المدد الرباني الذي يمد الله سبحانه وتعالى به المؤمنين في جهادهم، حتى وإن كانوا أقل عدداً، فإنه سبحانه يمدهم بأسلحة كثيرة ومتنوعة، كما قال عز وجل: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:٣١]، ومن هذه الأسلحة أن الله سبحانه وتعالى يلقي في قلوب الذين كفروا الرعب والوهن والخوف والفزع، فهذا بلا شك مما يرجح كفة المؤمنين في الجهاد، والأمر ليس مقتصراً على الأسباب الظاهرة التي يراها الناس، ولكن هناك أسباب خفية وجنود من جند الله سبحانه وتعالى لا يعلمهم إلا هو.

وقوله: ((سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) أي: أنه من جهة يمدهم بالملائكة ومن جهة يلقي في قلوب الذين كفروا الرعب.

((فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ)) هنا علمهم الله سبحانه وتعالى كيفية الضرب، وقوله تعالى: ((فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ))، إما أنها أمر للمؤمنين، وإما أنها أمر للملائكة.

وإذا قلنا: إن الأمر موجه إلى الملائكة فإنه يكون فيه دليل على أن الملائكة قد قاتلوا بالفعل مع المؤمنين، لأن الملائكة لابد أن يطيعوا أمر الله سبحانه تعالى.

وقوله: ((فَوْقَ الأَعْنَاقِ)) يعني: أعالي الأعناق؛ لأن أعالي الأعناق هي المذابح، وإذا حصل الذبح في أعالي الأعناق فإن الرءوس تطير.

أو أن المراد: اضربوا الرءوس؛ لأن الرءوس هي التي فوق الأعناق.

((وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ))، البنان هي الأصابع، ومفردها بنانة، والمعنى: كل الأصابع، وقيل: المراد بالبنان مطلق الأطراف، أي: ليس فقط أطراف الأصابع، وإنما مطلق أطراف البدن، سواء في اليدين أو في الرجلين، فتكون من تسمية الكل بالجزء؛ لوقوعها في مقابلة الأعناق والمقاتل، والمعنى: اضربوهم كيفما اتفق، سواء ضربتموهم في الأماكن التي هي من المقاتل كفوق الأعناق أو على الرءوس، أو في غير المقاتل كالأطراف، فالمهم أن تصيبوهم بما استطعتم من النكاية.