[تفسير قوله تعالى: (قل كل متر بص فتربصوا)]
قال تعالى: {قُلْ} [طه:١٣٥] أي: لأولئك الكفرة المتمردين، {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ} [طه:١٣٥] كل منا ومنكم ((مُتَرَبِّصٌ)) أي: منتظر لما يئول إليه أمرنا وأمركم {فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ} [طه:١٣٥]، عما قريب، {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ} [طه:١٣٥] المستقيم {وَمَنِ اهْتَدَى} [طه:١٣٥] أي: من الزيغ والضلال، أي: هل هو النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه أم هم وأتباعهم؛ وقد حقق الله وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده؛ فلله الحمد في الأولى والآخرة.
أمر جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يقول للكفار الذين يقترحون الآيات عليه عناداً وتعنتاً: كل منا ومنكم ((مُتَرَبِّصٌ)) أي: منتظر ما يحل بالآخر من الزواجر كالموت والغلبة.
وقد أوضح في غير هذا الموضع أن ما ينتظره النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمسلمون كله خير، بعكس ما ينتظره الكفار، كقوله تعالى: {قُلْ هَلْ تَربَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة:٥٢]، الشهادة أو النصر {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة:٥٢]، وقال تعالى: {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} [التوبة:٩٨]، إلى غير ذلك من الآيات، والتربص هو: الانتظار.
وفي قوله: {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى} [طه:١٣٥] ذكر جل وعلا أن الكفار سيعلمون ((مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى)) أي: وفق لطريق الصواب والديمومة على ذلك، وأمر نبيه أن يقول ذلك للكفار.
والمعنى: سيتضح لكم أننا مهتدون، وأنا على صراط مستقيم، وأنكم على ضلال وباطل، وهذا يظهر لهم يوم القيامة إذا عاينوا الحقيقة، ويظهر لهم في الدنيا لما يرونه من نصر الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ودينه.
وهذا المعنى الذي ذكره هنا بينه في غير هذا الموضع، كقوله: {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان:٤٢] فالناس الآن في الدنيا، في أثناء السباق، التراب يملأ الجو، وبالتالي لا يستطيع الناس أن يعرفوا من الذي سيسبق؟ ومن الذي سيصل أولاً؟ ومن الذي غلب؟ كما قال الشاعر: سوف تدري إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار فكذلك إذا انقضت الدنيا سوف يعلمون.
ومتى يعلم الكفار أن المسلمين كانوا هم أهل الهداية وأصحاب الصراط السوي؟ يجيب تعالى بقوله: {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان:٤٢]، وقال تعالى: {سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنَ الْكَذَّابُ الأَشِرُ} [القمر:٢٦]، فبمجرد أن تأتيهم ملائكة الموت وملائكة العذاب سيعلمون ساعتها قطعاً ويقيناً من المهتدي ومن كان على صواب، وقال تبارك وتعالى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص:٨٨]، إلى غير ذلك من الآيات.
والصراط في لغة العرب: الطريق الواضح، والسوي: المستقيم، وهو الذي لا اعوجاج فيه، ومنه قول جرير: أمير المؤمنين على صراط إذا اعوج الموارد مستقيم وقوله تعالى: ((فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ)).
((مَنْ)) في قوله: ((مَنْ أَصْحَابُ)) قال فيها بعض العلماء: هي موصولة، فيكون إعراب ((مَنِ)) مفعول به في محل نصب.
وقال بعضهم: هي استفهامية معلقة بالعلم.
هذا آخر تفسير سورة طه.