[تفسير قوله تعالى:(ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده)]
قال تعالى:{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[التوبة:١٠٤] ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة: أي: أن التوبة لا تكون إلا لله سبحانه وتعالى، والله وحده هو الذي يقبل التوبة، فلا يصل إلى ذلك ملك ولا نبي.
قوله:(عن عباده) يعني: من عبيده، تقول: أخذته منك وأخذته عنك، (ويأخذ الصدقات) يأخذ هنا بمعنى: يقبل، ومثله قوله تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ}[الأعراف:١٩٩] أي: اقبله.
((وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ))، يقول القاسمي: هذا تهييج إلى التوبة والصدقة اللتين كل منهما يحط الذنوب ويمحصها ويمحقها، وإخبار بأن كل من تاب إليه تاب عليه، ومن تصدق تقبل منه.
والمقصود من الاستفهام في قوله:(ألم يعلموا): التقرير.
نقل ابن كثير عن الحافظ ابن عساكر عن حوشب قال: غزا الناس في زمن معاوية وعليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد رضي الله عنه، فغل رجل من المسلمين مائة دينار رومية، قبل أن تقسم الغنيمة، فلما قفل الجيش -رجع- ندم وأتى الأمير، يريد أن يبرأ ذمته ويتوب ويعيد المائة دينار، فأبى الأمير أن يقبلها منه، وقال: قد تفرق الناس، فلن أقبلها منك حتى تأتي الله بها يوم القيامة! فجعل الرجل يأتي الصحابة فيقولون له مثل ذلك، فلما قدم دمشق ذهب إلى معاوية ليقبلها منه فأبى، فخرج من عنده وهو يبكي ويسترجع، فمر بـ عبد الله بن الشاعر فقال له: ما يبكيك؟ فذكر له أمره، فقال له: أومطيعي أنت؟ قال: نعم، قال: اذهب إلى معاوية فقل له: اقبل مني خمسك، فدفع إليه عشرين ديناراً، وانظر إلى الثمانين الباقية فتصدق بها عن ذلك الجيش، فإن الله يقبل التوبة عن عباده وهو أعلم بأسمائهم ومكانهم؛ وذلك لأن الخمس للإمام، وأما الباقي فللجيش، إلا أن الجيش قد تفرق، ولذلك قال: وانظر إلى الثمانين الباقية فتصدق بها عن ذلك الجيش؛ ففعل الرجل، فقال معاوية: لئن أكون أفتيت بهذا أحب إلي من كل شيء أملكه، لقد أحسن الرجل.